القرن مرق من الدين اثني عشر ألف من أمته كما يمرق من الرمية - بنص منه صلى الله عليه وآله على ما رواه الفريقان (1) -، وفي تلك الإشارات كفاية لمن له من ربه عناية.
ولنختم الكلام بما ذكره سعد التفتازاني، قال في شرح المقاصد: (ما وقع بين الصحابة من المحاورات والمشاجرات على الوجه المسطور في التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات، يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث عليه الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسات والميل إلى اللذات والشهوات، إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبي صلى الله عليه وآله بالخير موسوما، إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ذكروا لها محامل وتأويلات بما يليق، وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق، صونا لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة من حق كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار، المبشرين بالثواب في دار القرار، وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء من الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء ويكاد يشهد به العجماء ويبكي له من في الأرض والسماء وتنهد منه الجبال وتنشق منه الصخور ويبقى سوء عمله على كر الشهور والدهور، فلعنة الله على من باشر أو رضى أو سعى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى. فإن قيل: من علماء المذهب من لا يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنه يستحق ما يربوا على ذلك ويزيد؟
قلنا: تحاميا أن يرتقي إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار الروافض يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم، فرأى المفتون بأمر الدين الجام العوام بالكلية طريقا إلى الاقتصاد في الاعتقاد بحيث لا تزل الأقدام عن السواء ولا تضل الأفهام بالأهواء، وإلا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق كيف لا يقع عليها الاتفاق،