الذي كان ضيقا بنور معرفة الله وأوليائه، والعلم بحقائق الأشياء كما هي، فيرى حينئذ أن ما كان عليه قبل ذلك كفر وضلال، لإحاطته بقصور المقام ونقصانه بالنسبة إلى ما هو عليه من المرتبة والكمال، كما أنه وهو في تلك الحالة لو كشف له ما لم يصل إليه يراه كفرا، لعجزه عن دركه ومخالفته لما بنى عليه أمره، ولذا نهى عليه السلام في الأخبار السابقة عن أن يقول صاحب الواحد لصاحب الاثنين: لست على شئ، وهكذا، وكذا عن إسقاط من هو دونه، ومن هنا كانوا عليهم السلام يمسكون عن أشياء كان علمها مختصة بذوي الهمم العالية والقلوب الصافية لو سئل عنها من انهمك في الجهل والغرور، وذلك واضح بعد التتبع التام في تراجم الرواة وأصحاب الأئمة الهداة.
وفي الكشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن مسندا قال: (قال العبد الصالح: يا يونس! إرفق بهم فإن كلامك يدق عليهم، قال: قلت: إنهم يقولون لي زنديق، قال: قال عليه السلام لي: وما يضرك أن يكون في يدك لؤلؤة فيقول الناس هي حصاة، وما (كان) ينفعك أن يكون في يدك حصاة فيقول الناس لؤلؤة.) (١) وفيه: إنه شكى إلى الرضا عليه السلام ما يلقي من أصحابه من الوقيعة، فقال الرضا عليه السلام: (دارهم فإن عقولهم لا تبلغ) (٢) ولما رأى أبو ذر شيئا من عجائب سلمان مر إلى أمير المؤمنين مسرعا وقد ضاق صدره مما رأى، وسلمان يقفو أثره، حتى انتهى إلى أمير المؤمنين عليه السلام فنظر عليه السلام إلى سلمان فقال (له): (يا أبا عبد الله! إرفق بصاحبك.) (٣) ويعجبني كلام الحافظ البرسي في المشارق حيث قال بعد كلام له في تفسير بعض الآيات: (﴿ومن الناس من يعبد الله على حرف﴾ (4): أي إيمانه