____________________
(قوله بل يخلقها الله تعالى في غيره) خالقهم الهذيل في نفس كن فإنه قال قوله تعالى للشئ كن عرض حادث لا في محل لأن المحل سابق على الحال ولو بالذات فلا يكون شئ من المحال أجساما كانت أو غيرها إلا بعد كن بدليل قوله تعالى إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وهذا الاستدلال ضعيف لأن حقيقة قوله تعالى إنما قولنا لشئ الآية هو أن أوليس قولنا لشئ من الأشياء عند تكوينه إلا هذا القول وهو لا يقتضي ثبوت هذا القول لكل شئ حتى يلزم تقدمه على جميع المحال ألا ترى أنك إذا قلت ما قولي لأحد من الناس عند إرشاده إلا أن أقول له تعلم لم يدل على أنك تقول لكل أحد تعلم بل على أنك لو قلت في حقه شيئا لم يكن إلا هذا القول وبهذا التوجيه يندفع أيضا ما يقال من أن الآية تدل على قدم كلمة كن إذ لو كانت حادثة لكانت واقعة بكلمة كن أخرى سابقة لعموم لفظ شئ من حيث وقوعه في سياق النفي معنى ويتسلسل فإن قلت كلام العبد مخلوق له عند المعتزلة فلا يكون مخلوقا لله تعالى قلت ذكر الآمدي في أبكار الأفكار أن المعتزلة كافة اتفقوا على أن معنى كونه تعالى متكلما أنه خالق للكلام على وجه لا يعود منه إليه صفة حقيقية كما لا يعود من خلق الأجسام وغيرها فأما أن يستثني القرآن عن الكلية أي عن قولهم العبد خالق لجميع أفعاله الاختيارية أو ينفي كونه فعلا اختياريا له لكن كل منهما لا يخلو عن شائبة التخصيص من قواعدهم العقلية وقد يقال مذهبهم أن الله تعالى خلق كلامه أولا في العبد ثم لبعد خلق مثله تعالى شأنه عما يقولون (قوله كاللوح المحفوظ) اللوح المحفوظ عند جمهور أهل الشرع جسم فوق السماء السابعة كتب فيه ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة كما يكتب في الألواح المعهودة وليس هذا بمستحيل لأن الكائنات عندنا متناهية فلا يلزم عدم تناهى اللوح المذكور في المقدار وأما عند الفلاسفة فهو النفس الكلي للفلك الأعظم ترتسم فيه الكائنات ارتسام المعلوم في العالم إذا عرفت هذا ففي قوله يخلقها الله تعالى في غيره كاللوح المحفوظ تأمل لأن المخلوق وفيه هو النقوش لا الأصوات والحروف وإن حمل على حذف المضاف أي يخلق الله دوالها لم يتم التقريب كما لا يخفى وأيضا يلزم التكلف في قوله أو جبرائيل أو النبي عليه الصلاة والسلام لأن المخلوق فيهما نفس الأصوات والحروف (قوله يعبر عنه بالألفاظ) المتبادر منه هو أن الكلام النفسي هو المدلول الوضعي للألفاظ إلا أنه لا نزاع في أنه أنواع مختلفة وأكثرها معان حادثة فلذا قيل المراد بالتعبير عن المعنى النفسي بالألفاظ هو التعبير بالأثر فإن الصفة الأزلية لما تعلقت بمتعلقاتها حصل منها معان مخصوصة عبر عنها بالألفاظ والحق أن المفهوم من عامة كلماتهم هو أن النفسي مدلول اللفظي وإن كان لا يخلو عن إشكال (قوله ونزعم أنه غير العبارات) الأولى أن يقول ونقول لأن استعمال الزعم في الباطل غالبا ولذا قيل زعموا مطية الكذب (قوله إذ قد تختلف العبارات بالأزمنة والأمكنة الأقوام) أما الأول فلأن التعبير عن إرسال زيد مثلا قبل