شرح المواقف - القاضى الجرجانى - ج ٨ - الصفحة ٩٠
وإنما لم يوصف بالذوق والشم واللمس لعدم ورود النقل بها وإذا نظر في ذلك من حيث العقل لم يوجد له وجه سوى ما ذكره هؤلاء فإن إثبات صفتين شبيهتين بسمع الحيوانات وبصرها مما لا يمكن بالعقل والأولى أن يقال الماورد النقل بهما آمنا بذلك وعرفنا أنهما لا يكونان بالآلتين المعروفتين واعترفنا بعدم الوقوف على حقيقتهما (احتج الباقي) على نفيهما عنه تعالى (بوجهين * الأول إنهما تأثر الحاسة) عن المسموع والمبصر (أو مشروطا به) كسائر الإحساسات (وإنه) أي التأثر المذكور (محال في حقه) تعالى (والجواب منع ذلك) إذ المعلوم أنهما لا يحصلان لنا إلا مع التأثر (ولا يلزم من حصولهما مقارنا للتأثر فينا كونهما نفس) ذلك (التأثر أو مشروطين به وإن سلمنا أنه كذلك في الشاهد فلم قلتم إنه في الغائب كذلك فإن صفاته تعالى مخالفة بالحقيقة لصفاتنا فجاز أن لا يكون سمعه وبصره نفس التأثر ولا مشروطا به (الثاني إثبات السمع والبصر في الأزل ولا مسموع ولا مبصر) فيه (خروج عن المعقول والجواب أن انتفاء التعلق) في الأزل (لا يستلزم انتفاء الصفة) فيه (كما في سمعنا وبصرنا فإن خلوهما عن الادراك) بالفعل في وقت (لا يوجب انتفاءهما أصلا) في ذلك الوقت
____________________
الإسلام الفلاسفة المتمسكون بأقوال الأنبياء مطلقا لأن الأنبياء المتقدمين أيضا قالوا بثبوت السمع والبصر (قوله وإنما لم يوصف بالشم الخ) قيل لا خلاف في عدم جواز وصفه تعالى بهذه الثلاثة لعدم ورود النقل لكن إذا ثبت التغاير بين الانكشافين في المسموع والمبصر ثبت التغاير بينهما في المشموم وأمثاله وإذا ثبت الانكشاف الثاني في المسموع والمبصر له تعالى وجب إثباته في المشموم وأمثاله أيضا لئلا يلزم التجهيل تعالى عن ذلك علوا كبيرا ولذا قال إمام الحرمين يجب وصفه تعالى بإدراك الطعوم والروائح والحرارة والبرودة كما يجب وصفه تعالى بإدراك المسموع والمبصر للشركة في الدليل لكن لا يقال إنه تعالى شام ذائق لامس لأنها تنبئ عن الاتصالات الجسمانية وأنت خبير بأن هذا إنما يتأتى على القول بأن السمع مثلا نفس العلم بالمسموع وأما على القول بأنه صفة زائدة فلا لأن قياس إثبات الانكشاف الثاني في المشموم وأمثاله له تعالى على إثباته له في المسموع والمبصر مشكل إذ أوليس العلة في هذا الإثبات حينئذ لزوم التجهيل بنفيه كيف وهذا الانكشاف عند القائل بأن كلا من السمع والبصر صفة زائدة على الصفات الخمس الباقية أوليس علما حتى يلزم التجهيل من نفيه على أن قابلية الذات للاتصاف بهذه الانكشافات شرط في لزوم التجهيل على تقدير انتفائه ودون إثباتها خرط القتادة فالعلة فيه ورود النقل المفقود في المشموم وأمثاله (قوله خروج عن المعقول) قالوا ولا ينتقض ذلك بالعالمية والقادرية الأزليتين لأن العالمية يصح تعلقها بالمعدوم وبما سيوجد والقادرية يصح تعلقها بإحداث الفعل في الوقت الثاني بخلاف السامعية والمبصرية (قوله فإن خلوهما عن الادراك بالفعل) قيل تجويز خلو الباري عن الادراك السمعي والبصري مع بقاء منشأهما أعني السمع والبصر مذهب أبي الحسين بعينه وقد أبطلوه فكيف يلتزمون هذا وجوابه ما أشرنا إليه آنفا من أن الادراك السمعي والبصري عند من يثبت السمع والبصر صفتين زائدتين أمر
(٩٠)
مفاتيح البحث: المنع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»
الفهرست