____________________
هذا عاجزا فإن قلت جاز أن يكون المانع عن ذلك عدم المصلحة في الضد الآخر قلت كون الإرادة تابعة للمصلحة ممنوع وأما ما يقال بعد تسليمه من أنا نفرض الكلام في ضدين استوت وجوه المصلحة فيهما ولا شك في إمكان ضدين كذلك غايته أنه لم يثبت وجودهما ولا ضير فإن الفرض يكفينا فقد يناقش فيه بأنه يحتمل أن يكون عدم التخالف عند استواء المصالح فيهما من جملة المصالح وإن أمكن أن يدفع عن أصل الدليل بفرض الإرادتين معا فليتأمل فإن (قلت) لا نسلم لزوم العجز فإن تعلق قدرة أحدهما جعل تعلق قدرة الآخر ممتنعا ولا عجز في مثله قلت قد عرفت مما سبق الآن اندفاعه وبهذا أيضا يندفع منع لزوم عجزهما على تقدير عدم حصول مرادهما بناء على أن تعلق القدرتين أخرجهما عن حد الإمكان فليتدبر (قوله لا يقولون بالهين واجبي الوجود الخ) فعدهم من المشركين لقولهم بتعدد المستحق للعبادات لا لقولهم بواجبي الوجود (قوله فالمانوية والديصانية من الثنوية قالوا الخ) لا فائدة في التخصيص فإن المزدكية أيضا قالوا بذلك أما المانوية فهو أصحاب ماني بن ماني الحكيم الذي ظهر في زمان شابور ابن أردشير وقتله بهرام بن هرمز بن شابور بعدما بعث عيسى عليه السلام وهم معتقدون في الشرائع والأنبياء وأن أول مبعوث بالحكمة والنبوة آدم عليه السلام ثم شيث ونوح وإبراهيم وزرداشت والمسيح ويونس ومحمد صلوات الله عليه وعلى سائر أنبيائه وكانوا يوجبون في اليوم والليلة أربع صلوات ويحرمون الزنا والقتل والسرقة والكذب والسحر وعبادة الأوثان وغير ذلك وأما الديصانية فهم أصحاب ديصان ومعتقدهم معتقد المزدكية أصحاب مزدك الذي ظهر في زمن نوشروان وهو قدم النور والظلمة على الوجه الذي اعتقده المانوية إلا أن المزدكية يقولون النور عالم حساس وأنه يفعل ما يفعل بالقصد والاختيار بخلاف الظلام فإنه جاهل أعمى وإن ما يفعله بحكم الاتفاق والخبط والديصانية يخالفونهم في ذلك ويقولون ما يحدث من الشر كأن عن الظلام بطبعه لا بحكم الاتفاق وللثنوية فرقتان أخريان يقال لهم المرقونية والكمونية أما المرقونية فقد وافقوا من تقدم ذكره في إثبات النور والظلمة وخالفوه في إثبات أصل ثالث هو المعدل الجامع بين النور والظلمة قالوا وذلك الأصل دون النور في المرتبة وفوق الظلمة وأما الكمونية فقالوا أصول العالم ثلاثة النار والماء والأرض فالنار خير بطبعها يصدر منها الخيرات المحضة والماء ضدها يصدر منه الشرور المحضة وما كان متوسطا فمن الأرض وهؤلاء هم المعتقدون في النار وعن مذهبهم نشأ اتخاذ بيوت النيران في البلدان وعبادتها تعظيما لها (قوله وكأنهم أرادوا الخ)