ولو كان بمعنى الرؤية لكان متناقضا (ولم أزل أنظر إلى
الهلال حتى رأيته) ولو حمل على الرؤية لكان الشئ غاية لنفسه (وانظر كيف ينظرون فلان إلى والرؤية لا ينظر إليها) وإنما ينظر إلى تقليب الحدقة (وقال تعالى وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون فالنظر الموصول بإلى محمول على تقليب الحدقة لما ذكرنا (ولأنه يوصف بالشدة والشزر والازورار والرضي والتجبر والذل والخشوع وشئ منها لا يصلح صفة للرؤية بل هي أحوال يكون عليها عين الناظر عند تقليب الحدقة) نحو المرئي (هذا) كما ذكرناه (وتقليب الحدقة أوليس هو الرؤية) وهو ظاهر فلا يكون النظر الموصول بإلى حقيقة فيها وإلا لزم الاشتراك (ولا ملزومها) لزوما عقليا حتى يجب من تحققه تحققها بل لزوما عاديا مصححا للتجوز (ثم) نقول (إنه للرؤية مجاز و) لكنه مجاز (لا يتعين) كونه مرادا في الآية (لجواز أن يراد ناظرة إلى نعم الله ولم) أي ولأي شئ يترك هذا الاضمار إلى ذلك المجاز والجواب أما النظر مع إلى) حقيقة (للرؤية بالنقل) الذي مر ذكره فلا يكون حقيقة في غيرها (و) ما استشهدتم به على كونه حقيقة لتقليب الحدقة لا يجدي نفعا إذ (قوله نظرت إلى
الهلال فما رأيته لم يصح) نقله (من العرب بل يقال نظرت إلى مطلع
الهلال فلم أر
الهلال و) إن سلمناه قلنا (ربما يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه وهو الجواب عن قولهم لم أزل أنظر إلى
الهلال حتى رأيته) أي إلى مطلع
الهلال (والبواقي) من الأمثلة (كلها مجازات) أي النظر فيها وقع مجازا عن تقليب الحدقة من باب إطلاق اسم المسبب الذي هو الرؤية على سببها الذي هو التقليب وعلى تقدير كون النظر حقيقة في التقليب الذي أوليس بمراد يجب حمله في الآية على الرؤية مجازا لرجحانه على الاضمار الذي يحتمل وجوها كثيرة وإليه الإشارة بقوله (مع أن الأشياء التي يمكن إضمارها كثيرة) كنعمة الله وجهة الله وآثار الله (ولا قرينة) ههنا
____________________
(قوله والرؤية لا ينظر إليها) أي فكذلك الكيفية القائمة بها (قوله والشزر) والازورار الشرز النظر بمؤخر العين غضبان والازورار العدول عن الشئ (قوله ولا ملزومها) ولو سلم فلا يفيد لعدم تصور التقليب في حقه تعالى قوله (لا يجد نفعا) ولو أفاد فإنما يفيد الاشتراك وإثبات الاشتراك بناء على الدليل غير ممنوع إذ كون المجاز راجحا إنما هو عند الاحتمال ثم أن تقليب الحدقة غير متصور في حقه تعالى فتعين أن المراد في الآية الكريمة المعنى الآخر عنى الرؤية (قوله لم يصح نقله من العرب) نقل أن الأظهر أن يسلم هذا ويقال معناه كذا لقوله تعالى وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون