وشعث ينظرون إلى بلال * كما نظر الظماء حيا الغمام ومن المعلوم أن العطاش ينتظرون مطر الغمام فوجب حمل النظر المشبه على الانتظار ليصح التشبيه وقال وجوه ناظرات يوم بدر * إلى الرحمن يأتي بالفلاح أي منتظرات إتيانه بالنصر والفلاح وقال كل الخلائق ينظرون سجاله * نظر الحجيج إلى طلوع هلال أي ينتظرون عطاياه انتظار الحجاج ظهور
الهلال (والجواب لا نسلم أن النظر ههنا) أي فيما ذكر من الأمثلة (للانتظار ففي الأول أي يرون بلالا كما يرى الظماء ماء) يطلبونه ويشتاقون إليه (ولا يمتنع حمل النظر المطلق) عن الصلة كالمذكور في المشبه به (على الرؤية) بطريق الحذف والإيصال (إنما الممتنع حمل الموصول بإلى على غيرها) أي غير الرؤية كالانتظار (وفي الثاني أي ناظرات إلى جهة الله وهي العلو في العرف ولذلك ترفع إليه الأيدي في الدعاء أو) ناظرات (إلى آثاره) أي آثار الله (من الضرب والطعن) الصادرين من الملائكة التي أرسلها الله تعالى لنصرة المؤمنين يوم بدر وذكر بعض الرواة أن الرواية هكذا * وجوه ناظرات يوم بكر * وأن قائله شاعر من أتباع
مسيلمة الكذاب والمراد بيوم بكر يوم القتال مع بني حنيفة لأنهم بطن من بكر بن وائل وأراد بالرحمن مسيلمة وعلى هذا فالجواب ظاهر * (وفي الثالث أي يرون سجاله ويجوز) النظر (المجرد) عن الصلة (للرؤية) كما مر (آنفا وإن سلم مجيئه مع إلى للانتظار فلا) يصح حمله عليه في الآية (إذ لا يصح بشارة لما مر) من أن انتظار النعمة غم ووصولها سرور * (الثالث) من وجوه الاعتراض (أن النظر مع إلى حقيقة (لتقليب الحدقة) لا للرؤية (يقال نظرت إلى
الهلال فما رأيته)
____________________
الشدة وقيل هو عليه بالراء المهملة فيراد به موت الشهداء والأول أقرب كما لا يخفى (قوله وشعث ينظرون إلى بلال الخ) الشعث جمع أشعث وهو بمعنى مغبر الرأس وبلال ابن حمام مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والبلال أيضا كل ما يبل به الخلق من الماء واللبن والظماء جمع ظمآن كعطاش جمع عطشان والحيا بالقصر المطر (قوله ولا يمتنع حمل النظر المطلق الخ) فلو قيل في تقرير الاعتراض الأول أن إلى واحد الآلاء والنظر بمعنى الرؤية يسقط الجواب المذكور واحتيج إلى جواب آخر وهو أن يقال كون إلى اسما بمعنى النعمة وإن ثبت في اللغة إلا أنه لا شك في بعده وغرابته وإخلاله بالفهم عند تعلق النظر به ولهذا لم يحمل الآية عليه أحد من أئمة التفسير في القرن الأول والثاني بل أجمعوا على خلافه (قوله إلى جهة الله تعالى) الإضافة للتشريف كما في بيت الله تعالى