أخوه في ليلة وتقلدها، فأصبح هبنقة، ورآها في عنقه فقال: أخي، أنت أنا، فمن أنا، فضرب بحمقه المثل، فقالوا: أحمق من هبنقة، قال الفرزدق يهجو جريرا:
فلو كان ذا الودع بن ثروان لالتوت * به كفه أعني يزيد الهبنقا وودعه، كوضعه ودعا، وودعه توديعا بمعنى واحد، الأول رواه شمر عن محارب.
والاسم الوداع، بالفتح، ويروى بالكسر أيضا وبهما ضبطه شراح البخاري في حجة الوادع، وهو الواقع في كتب الغريب، قاله شيخنا، وهو أي الوداع: تخليف المسافر الناس خافضين وادعين، وهم يودعونه إذا سافر، تفاؤلا بالدعة التي يصير إليها إذا قفل، أي: يتركونه وسفره كما في العباب، قال الأعشى:
ودع هريرة إن الركب مرتحل * وهل تطيق وداعا أيها الرجل (1) وقال شمر: التوديع يكون للحي وللميت، وأنشد للبيد يرثي أخاه:
فودع بالسلام أبا حريز * وقل وداع أربد بالسلام (2) وقال القطامي:
قفي قبل التفرق يا ضباعا * ولا يك موقف منك الوداعا أراد: ولا يكن منك موقف الوداع، وليكن موقف غبطة وإقامة، لأن موقف الوداع يكون منغصا من (3) التباريح والشوق، وقال الأزهري: التوديع وإن كان أصله تخليف المسافر أهله وذويه وادعين، فإن العرب تضعه موضع التحية والسلام، لأنه إذا خلف دعا لهم بالسلامة والبقاء، ودعوا له بمثل ذلك، ألا ترى أن لبيدا قال في أخيه وقد مات:
* فودع بالسلام أبا حريز * أراد الدعاء بالسلام بعد موته، وقد رثاه لبيد بهذا الشعر، وودعه توديع الحي إذا سافر، وجائز أن يكون التوديع: تركه إياه في الخفض والدعة، انتهى. ومنه قوله تعالى: " ما ودعك ربك وما قلى " (4)، بالتشديد (5)، أي: ما تركك منذ اختارك ولا أبغضك منذ أحبك، ومنه حديث أبي أمامة عند رفع المائدة غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا وقيل: معناه: غير متروك الطاعة.
ودع الشيء، ككرم ووضع، ودعا، ودعة، ووداعة، فهو وديع ووادع، سكن واستقر وصار إلى الدعة، كاتدع تدعة بالضم وتدعة كهمزة، واقتصر الجوهري على اللغة الأولى أي: ودع، ككرم، وزاد: ووادع أيضا أي: ساكن، مثل: حمض فهو حامض، يقال: نال فلان المكارم وادعا أي: من غير كلفة، وأنشد ابن بري لسويد اليشكري:
أرق العين خيال لم يدع * من سليمى ففؤادي منتزع أي لم يتدع، ولم يقر، ولم يسكن، وفي اللسان: وعليه أنشد بعضهم بيت الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع * من المال إلا مسحت أو مجلف فمعنى لم يدع: لم يتدع ولم يثبت، والجملة بعد زمان في موضع جر، لكونها صفة له، والعائد منها إليه محذوف للعلم بموضعه، والتقدير فيه: لم يدع فيه، أو لأجله من المال إلا مسحت أو مجلف، فيرتفع مسحت بفعله، ومجلف عطف عليه، وقيل: لم يستقر، وأنشد سلمة: إلا مسحتا أو مجلف أي: لم يترك من المال إلا شيئا مستأصلا هالكا، أو مجلف كذلك، ونحو ذلك رواه الكسائي وفسره.
والمودوع: السكينة يقال: عليك بالمودوع، أي: السكينة والوقار، ولا يقال منه: ودعه، كما لا يقال من