وأما الذين قالوا بالجواز مطلقا فقال بعضهم في قول كعب بن زهير رضى الله تعالى عنه:
683 - وما سعاد غداة البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول غداة البين: ظرف للنفي، أي انتفى كونها في هذا الوقت إلا كأغن.
وقال ابن الحاجب في (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم) إذ بدل من اليوم، واليوم إما ظرف للنفع المنفى، وإما لما في لن من معنى النفي، أي انتفى في هذا اليوم النفع، فالمنفي نفع مطلق، وعلى الأول نفع مقيد باليوم. وقال أيضا: إذا قلت " ما ضربته للتأديب " فإن قصدت نفى ضرب معلل بالتأديب فاللام متعلقة بالفعل، والمنفي ضرب مخصوص، وللتأديب: تعليل للضرب المنفى، وإن قصدت نفى الضرب كل حال فاللام متعلقة بالنفي والتعليل له، أي أن انتفاء الضرب كان لأجل التأديب، لأنه قد يؤدب بعض الناس بترك الضرب، ومثله في التعلق بحرف النفي " ما أكرمت المسئ لتأديبه، وما أهنت المحسن لمكافأته "، إذ لو علق هذا بالفعل فسد المعنى المراد، ومن ذلك قوله تعالى (ما أنت بنعمة ربك بمجنون) الباء متعلقة بالنفي، إذ لو علقت بمجنون لأفاد نفى جنون خاص، وهو الجنون الذي يكون من نعمة الله تعالى، وليس في الوجود جنون هو نعمة، ولا المراد نفى جنون خاص، اه ملخصا.
وهو كلام بديع، إلا أن جمهور النحويين لا يوافقون على صحة التعلق بالحرف، فينبغي على قولهم أن يقدر أن التعلق بفعل دل عليه النافي، أي انتفى ذلك بنعمة ربك.
وقد ذكرت في شرحي لقصيدة كعب رضى الله تعالى عنه أن المختار تعلق الظرف بمعنى التشبيه الذي تضمنه البيت، وذلك على أن الأصل: وما كسعاد إلا ظبي أغن، على التشبيه المعكوس للمبالغة، لئلا يكون الظرف متقدما في التقدير على اللفظ الحامل لمعنى التشبيه، وهذا الوجه هو اختيار ابن عمرون، وإذا جاز لحرف التشبيه أن يعمل في الحال في نحو قوله: