أغلق الباب وأقفله، وأخذ المفاتيح إليه، فمكث على هذا مدة، وانقطعت الشيعة عنه وعن الاستماع منه والقراءة عليه، ثم إني لقيته في يوم جمعة، فسلمت عليه، وقلت له: ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه؟
فقال منكرا علي: تقول الغلام، ولا تقول الشيخ الهاشمي! أنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني؟ قلت: لا.
قال: فإني والله أذكر له الحزب من الأدب، أظن أني قد بالغت فيه، فيملي علي بما فيه أستفيده منه، ويظن الناس أني أعلمه وأنا والله أتعلم منه.
قال: فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه.
ثم لقيته بعد ذلك، فسلمت عليه، وسألته عن خبره وحاله، ثم قلت: ما حال الفتى الهاشمي؟
فقال لي: دع هذا القول عنك، هذا والله خير أهل الأرض، وأفضل من خلق الله تعالى، وإنه لربما هم بالدخول فأقول له: تنظر حتى تقرأ عشرك. فيقول لي: أي السور تحب أن أقرأها؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه، فيهذها بقراءة لم أسمع أصح منها من أحد قط، بأطيب من مزامير داود النبي التي بها من قراءته يضرب المثل.
قال: ثم قال: هذا مات أبوه بالعراق، وهو صغير بالمدينة، ونشأ بين هذه الجواري السود، فمن أين علم هذا؟
قال: ثم ما مرت به الأيام والليالي حتى لقيته فوجدته قد قال بإمامته وعرف الحق وقال به، وفي سبع سنين من إمامته (عليه السلام) مات المعتصم في سنة 227 ه ولأبي الحسن (عليه السلام) أربع عشرة سنة (1).