وأما قوله: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب)، فإن المخاطب به رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن في شك مما أنزل إليه، ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيا من الملائكة، إذ لم يفرق بين نبيه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الأسواق، فأوحى الله إلى نبيه: (فاسأل الذين يقرؤون الكتاب) بمحضر الجهلة، هل بعث الله رسولا قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ولك بهم أسوة، وإنما قال: (فإن كنت في شك) ولم يكن شك، ولكن للنصفة، كما قال: ﴿تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾ (1)، ولو قال: " عليكم " لم يجيبوا إلى المباهلة، وقد علم الله أن نبيه يؤدي عنه رسالاته، وما هو من الكاذبين، فكذلك عرف النبي أنه صادق في ما يقول، ولكن أحب أن ينصف من نفسه.
وأما قوله: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) فهو كذلك، لو أن أشجار الدنيا أقلام والبحر يمده سبعة أبحر وانفجرت الأرض عيونا، لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله، وهي عين الكبريت، وعين التمر (2)، وعين برهوت، وعين طبرية، وحمة ماسبذان (3)، وحمة إفريقية يدعى لسنان (4)، وعين بحرون (5)، ونحن كلمات الله التي لا تنفد ولا تدرك فضائلنا.