أبو الحسين محمد بن إسماعيل بن أحمد الفهقلي الكاتب بسر من رأى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، قال: حدثني أبي، قال: كنت بسر من رأى أسير في درب الحصا، فرأيت يزداد النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار موسى بن بغاء فسايرني وأفضى بنا الحديث، إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار، تدري من صاحبه؟ قلت: ومن صاحبه؟
قال: هذا الفتى العلوي الحجازي - يعني علي بن محمد بن الرضا (عليه السلام) - وكنا نسير في فناء داره، قلت ليزداد: نعم فما شأنه.
قال: إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو.
قلت: وكيف ذلك؟
قال: أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبدا، ولا غيرك من الناس، ولكن لي الله عليك كفيل وراع أنك لا تحدث به عني أحدا، فإني رجل طبيب، ولي معيشة أرعاها عند هذا السلطان، وبلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه، لئلا ينصرف إليه وجوه الناس، فيخرج هذا الأمر عنهم، يعني بني العباس.
قلت: لك علي ذلك، فحدثني به، وليس عليك بأس، إنما أنت رجل نصراني، لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم، وقد ضمنت لك الكتمان.
قال: نعم، أعلمك أني لقيته منذ أيام وهو على فرس أدهم، وعليه ثياب سود، وعمامة سوداء، وهو أسود اللون، فلما بصرت به وقفت إعظاما له - لا وحق المسيح، ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس - وقلت في نفسي: ثياب سود، ودابة سوداء، ورجل أسود، سواد في سواد في سواد، فلما بلغ إلي وأحد النظر، قال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد.
قال أبي (رحمه الله): قلت له: أجل فلا تحدث به أحدا، فما صنعت، وما قلت له؟