كما أن الإمام (عليه السلام) نجح في إزالة الغشاوة عن عيني المأمون من ناحية الفضل ابن سهل وأخيه الحسن، وتبصيره بما كان يحاول الفضل إخفاؤه عنه من أحوال البلاد المضطربة، حتى إنهم بايعوا عمه إبراهيم بن المهدي المغني خليفة بدله، وبدا المأمون وكأنه يسمع ذلك لأول مرة، حتى رد على الإمام الرضا (عليه السلام) قائلا: إنهم لم يبايعوا له بالخلافة، وإنما صيروه أميرا يقوم بأمرهم.
بل وأخبره الإمام الرضا (عليه السلام) عن الحرب التي تدور رحاها بين إبراهيم بن المهدي والحسن بن سهل، وأن الناس تكره مقام الفضل وأخيه من المأمون، وما كان أحد يجرؤ على أن يقول الحق للمأمون (1).
إذن لم يكن الفضل هو صاحب الفكرة في ولاية العهد، لأنه لم يكن من السذاجة بحيث يورط نفسه ونفوذه القوي في أجهزة الحكم في مواجهة غير متكافئة مع نفوذ أقوى منه، لكن الظاهر أن شهرة الفضل وإخضاعه المأمون في جميع تصرفاته وفرض سيطرته على أجهزة الدولة، هو الذي جعل الناس يعزون هذا الأمر إلى أقوى شخصية في الدولة، وقد عزوا الأمر بلبس الخضرة والبيعة للإمام الرضا (عليه السلام) للفضل بن سهل، ففي حوادث سنة 201 من (تأريخ الطبري) وغيره أنه عندما ورد كتاب الحسن بن سهل على عيسى بن محمد يعلمه فيه بأن المأمون بايع للرضا (عليه السلام) بولاية العهد، وأمره بطرح السواد ولبس الخضرة، ويأمر من قبله من الجند والقواد وبني هاشم بالبيعة له، وأن يأخذ أهل بغداد بذلك جميعا، قال بعضهم:
نبايع، ونلبس الخضرة؟ وقال بعضهم: لا نبايع ولا نلبس الخضرة، ولا نخرج هذا الأمر من ولد العباس، وإنما هو دسيس من الفضل بن سهل (2).