1 - في أن الفضل هو صاحب الفكرة:
أما ما قيل من أن الفضل بن سهل هو الذي أشار على المأمون بهذا الأمر، وأن المأمون اتبع رأيه، فهو أمر في غاية البعد والغرابة من رجل مثل المأمون الذي يعتز برأيه، وحسمه للأمور، وتدبيره الخطط وإحكامها، فهو الذي يقول: " معاوية ابن أبي سفيان بعمره، وعبد الملك بن مروان بحجاجه، وأنا بنفسي " (1).
ولذلك يبدو لنا من خلال عدة قرائن أن المأمون هو المدبر الأساسي لهذا الأمر.
ففي رواية الريان بن الصلت المتقدمة آنفا في السبب الأول، قال المأمون:
" يا ريان، أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة قد استقامت له الرعية، فيقول له: ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك، أيجوز هذا في العقل؟ " وبهذا يكون قد نفى أن يكون ذلك من تدابير الفضل بن سهل أو غيره، بل هو من بنات أفكاره.
وتقدم في حديث ولاية العهد أن الفضل بن سهل وأخاه الحسن لم يكونا مشيرين على المأمون في هذه المسألة، بل كانا محذرين له من مغبة هذا الأمر، معظمين عليه إخراج هذا الأمر من أهله، فلما رأيا عزيمة المأمون على إمضائه وإصراره على عقده أمسكا عن معارضته.
وقد قيل أيضا - كما تقدم في الحديث الثاني من السبب الثاني - أن الفضل بن سهل كان من صنائع آل برمك، حيث قيل: إن الفضل وأخاه قد أسلما على يد يحيى ابن خالد البرمكي (2)، وأن يحيى اختار الفضل لخدمة المأمون، فلهذا كان الفضل