فلو كان الفضل جادا في طرحه على الإمام، فإنه أراد أن يشرك الإمام (عليه السلام) في حبك خيوط المؤامرة على المأمون واغتياله، ليجعل من ذلك ورقة تهديد يرفعها فيما لو حاول الإمام (عليه السلام) الحد من نفوذه، وذلك عندما يتمكن الفضل من امتلاك زمام الحكم، وفرض سيطرته على جهاز الدولة، أو إنه أراد بعد قضائه على المأمون أن يجعل الخلافة في رجل معاد للإمام ولأهل البيت (عليهم السلام)، لأنه كان يعلم أن الإمام (عليه السلام) راغب عنها.
ولو كان الفضل صادقا فعلا في عرضه بنقل الخلافة إلى البيت العلوي والقضاء على المأمون، ومقتنعا بواقعية الفكرة، فلا ضرورة تدعوه لاستشارة الإمام، لأنه بعد القضاء على المأمون ستنتقل الخلافة إلى الإمام (عليه السلام) باعتباره وليا للعهد.
وإن كان الفضل متصنعا في فكرته، كما أكد هو للمأمون، فالهدف المقصود هو تعكير صفو العلاقات القائمة بين الإمام (عليه السلام) والمأمون، وليثبت إخلاصه وحرصه على سلامة الحكم العباسي.
ولقد كان سلوك الإمام (عليه السلام) مع الفضل يؤكد أن الفضل لم يكن صاحب الفكرة في ولاية العهد، ولم يكن صادقا في ولائه المزعوم لأهل البيت (عليهم السلام) الذي قال به بعض المؤرخين، فقد حذر الإمام (عليه السلام) المأمون من تسليم قيادة الحكم إلى الفضل، حيث قال (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، اتق الله في أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وما ولاك الله من هذا الأمر وخصك به، فإنك قد ضيعت أمور المسلمين، وفوضت ذلك إلى غيرك، يحكم فيهم بغير حكم الله تعالى... " (1).