شؤون العقيدة والدين، ويستلهم من فيض الإمامة مواقع خطواته المتئدة بثبات وصبر في البناء الفكري والعقيدي لرواد مدرسته أولا، وللأمة الإسلامية بصورة أعم ثانيا. ولم تخل مسيرة الإمام التغييرية هذه في بعض مقاطعها من مجابهة تصل إلى درجة التحدي العلني وأثناء تواجد رأس الدولة الحاكم آنذاك، فقد روى الطبري الصغير في دلائل الإمامة: أن هشام بن عبد الملك حج سنة من السنين، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق (عليهم السلام)، فقال جعفر (عليه السلام) في بعض كلامه:
الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا، وأكرمنا به، فنحن صفوة الله على خلقه، وخيرته من عباده. فالسعيد من اتبعنا، والشقي من عادانا وخالفنا، ومن الناس من يقول إنه ليولانا وهو يوالي أعداءنا ومن يليهم من جلسائهم وأصحابهم، فهو لم يسمع كلام ربنا ولم يعمل به.
قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فأخبر مسيلمة أخاه [هشاما] بما سمع، فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق، وانصرفنا إلى المدينة، فأنفذ بريدا إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه (1).. - الخبر - فمن خلال هذه الرواية يتبين لنا أن الإمام (عليه السلام) قد خطط مسبقا لهذا الحدث المهم والخطير للغاية، فانتخاب الزمان والمكان لم يكن أمرا عفويا وكذلك اختيار الخطيب المتحدث.
فالزمان موسم الحج الأكبر ووقت اجتماع أكبر حشد من الأمة الإسلامية ومن مختلف الأقطار، بالإضافة إلى تواجد الطاغية الحاكم هشام بن عبد الملك، وأما المكان وأكرم به من موضع فهو المسجد الحرام، قبلة المسلمين ومحط انظار العالمين. ولشدة تحرز الإمام وتحفظه على استمرارية خط الإمامة، فقد أحسن الاختيار - في تقديرنا - بانتدابه ولده جعفرا الصادق (عليه السلام) للقيام بمهمة