وإن كان " هشام بن عبد الملك " قد قتل الجسد الطاهر لخامس أئمة أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، فإنه لم يكن قادرا على قتل الفكر الذي كان يحمله. فلم يكن فكر الإمام الباقر (عليه السلام) فكرا مرحليا أو فكرا اصطبغ بصبغة اجتهادية بشرية حتى يستطيع " بن عبد الملك " قتله، بل كان فكرا إلهيا تنبأ به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبلغ الصحابي الجليل " جابر بن عبد الله الأنصاري " بذلك مبشرا إياه برؤية الإمام الحفيد الذي سيبقر العلم بقرا فيستخرجه من منابعه الأصيلة وكنوزه الدفينة. وقد كان تواتر ذلك الحديث عن طرق أهل البيت (عليهم السلام) ومدرسة الحديث السنية لا يقبل تأويلا من أي لون وبأي صبغة ما عدا صبغة أهمية دور الإمام الباقر (عليه السلام) في تثبيت أركان المدرسة الفقهية الاسلامية.
العصر العلمي في عهد الإمام الباقر (عليه السلام) ولا شك أن تبدل أدوار أئمة الهدى (عليهم السلام) خلال العصور المتعاقبة كانت له تأثيرات عميقة في التأريخ الشيعي الإمامي. فكان الإمام (عليه السلام) - وضمن تصميم إلهي منسجم مع حاجات البشرية - يقوم بأداء دور مرسوم متوافق مع الحياة الاجتماعية والدينية للافراد. فقد كان محور حياة الإمام السجاد (عليه السلام) الاتصال بالله سبحانه وتعالى عبر الدعاء والمناجاة. وما أن اكتمل ذلك العصر المشحون بالعواطف الجياشة والإتصالات الروحية بموجد الكون والحياة والانسان، حتى بدأ عصر الإمام الباقر (عليه السلام) المحمل بمعاني التأسيس العلمي لفقه أهل البيت (عليهم السلام). وهو تأسيس متصل بعلم النبي (صلى الله عليه وآله) في قضايا التكاليف الشرعية والإلزامات الأخلاقية التي جاء بها الاسلام. وقد كان عصر الباقر (عليه السلام) يمثل الوجود العلمي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بكل ما تمثله الكلمة من معاني. فقد كان الإمام الخامس (عليه السلام) ملكا