فقامت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) التي كان الإمام الباقر (عليه السلام) المباشر الأول في إيضاح معالمها وتحديد منابع أصولها الفكرية والتشريعية، ومن ثم جاء بعده الإمام الصادق (عليه السلام) ليكمل مسيرة أبيه الباقر (عليه السلام) ويبلور التشيع ويوسع في حدود الجامعة الاسلامية الكبرى كما وكيفا، حتى حملت تلك الجامعة اسم الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بعد إرهاصات ومخاضات عسيرة مرت بها عبر قرون عديدة.
وبكلمة موجزة يمكن تحديد معالم هذه المدرسة، من حيث مصادر التشريع التي تعتمد عليها، وهي الاستناد على الحجة ودليل العقل. كما تذهب مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) إلى القول بعصمة أهل البيت (عليهم السلام) في تبليغ أحكام الله وحدوده، وحجية حديثهم وروايتهم، مستندين في ذلك ومستدلين عليه بآية التطهير من كتاب الله في الدلالة على عصمتهم (عليهم السلام) ونزاهتهم من المعاصي والكذب والافتراء على الله ورسوله، وبحديث الثقلين الذي يتفق الفريقان على صحته في الدلالة على حجية حديث أهل البيت (عليهم السلام) واعتباره امتدادا ورواية صادقة لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1).
كان هذا عرضا موجزا لعمليات الصراع والمواجهة بين مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وبين المدارس والتيارات الفكرية التي أخذت بالنمو والظهور على سطح الواقع الاسلامي كزبد البحر ما لبث بعضها أن ذهب جفاء، وبقي ما ينفع من مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ومدرستهم الخالدة التي امتازت في عصر الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) بمعارفها وسعة أفقها.
ففي حقل المعرفة كان الإمام الباقر (عليه السلام) يمتلك المضامين العلمية والمعارف، فالمتتبع للتراث الباقري في كتب التاريخ والسنن والآثار يدرك أن فكر الإمام الباقر (عليه السلام) - بحكم كونه نسخة صادقة لرسالة الله عز وجل - وقد كان