الفصل الثاني في رحاب الإمام (عليه السلام) حينما نستعرض سيرة الإمام الباقر (عليه السلام) لابد لنا من وقفات على بعض المصاديق العملية لمعالم شخصيته الفذة، التي ملأت فم الدنيا بسموها الشاهق، وأبهرت الخلائق بإشراقة نورها الساطع، حتى لم يعد خافيا فضله وجلالة قدره، وسمو منزلته، وتربعه على قمة العلم بكل ما حوى من حقول المعرفة، فحفظ لنا التاريخ بعضا من إشعاعات تلك السيرة الوضاءة المعطاء، رغم محاولات بعض الحاقدين طمس الحقائق وصرف أنظار الناس عن فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومناقبهم، حتى إن الأعداء والمخالفين - وما أكثرهم - اعترفوا صاغرين بمكانة الإمام وشرفه السامق، وإن الناس مهما بلغت بهم ذروة العلياء هم دون الإمام الباقر (عليه السلام) بمراتب وعيال عليه.
فذاك محمد بن المنكدر (1) أحد أقطاب التصوف، الذي آثر العزلة عن الحياة الدنيا، وسلك اتجاها اتكاليا في أموره المعاشية على سواه من الناس متذرعا بالانصراف للعبادة فحسب، الأمر الذي لا يقره الإسلام الحنيف (2) كان يقول: ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا - لفضل علي بن الحسين -