العصور، حركة علمية ضخمة امتدت على مساحة واسعة من الأرض بعد أن كانت محصورة في مساجد المدينة المنورة والكوفة والبصرة، وشملت علوما ومعارف مختلفة تعدت علم الحديث والفقه والتفسير، كما وسعت من أفق هذه العلوم الثلاثة التي كانت تحظى باهتمام المسلمين آنذاك أكثر من غيرها.
وقد سبق أن ذكرنا أن دور الإمام الباقر (عليه السلام) ومهمته الرئيسة اتجهت في هذه المرحلة إلى استثمار جهود وإنجازات آبائه الطاهرين وتضحياتهم العظيمة، وذلك بتوضيح الإطار التفصيلي للتشيع، وإبراز ملامحه المتميزة، وإعطائه البعد الحقيقي على أنه التمثيل الواقعي للإسلام الأصيل عقيدة ومعالجته لمجمل شؤون الحياة فكرا.
وهكذا أخذ الإمام أبو جعفر (عليه السلام) زمام المبادرة في رسم الخطة وسار الأئمة (عليهم السلام) من بعده عليها باعتبارهم قادة الأمة، وحفظة الشريعة، وحملة علوم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من طور النشاط المحدود بالنسبة إلى الظروف الخاصة آنذاك إلى مستوى عالمية الرسالة، وذلك بتنمية مجمل الكيان الشيعي كما ونوعا، عبر إجراءات متعددة اتخذها الإمام لتحقيق مهامه السماوية باعتبار أن الإمامة وشؤونها منصب سماوي لا دخل للإنسان فيه بأي حال من الأحوال، مثلها مثل النبوة والرسالة.
ونجمل إجراءات الإمام وممارساته في هذا المجال بطريقين:
الأول: طريق التثقيف الموسع من داخل مدرسته التي أسسها لهذا الغرض؛ لتزويد علمائها وطلابها بالعلوم الإسلامية وآدابها. فقد كان الإمام الباقر (عليه السلام) المرجع الوحيد للعالم الإسلامي في عصره لعلوم الشريعة، وكان علماء عصره يتصاغرون أمامه اعترافا منهم بسمو منزلته العلمية التي لا يدانيها أحد.
وكانت مدرسته مدعاة لتخريج المئات من العلماء والمحدثين. يقول