في ظل جده وأبيه (عليهما السلام):
وتبدأ حياة الإمام الباقر (عليه السلام) في سنيها الأولى في كنف جده الحسين (عليه السلام) الذي عني بتربيته، وأفرغ عليه أشعة من روحه المقدسة، وغذاه بالمثل الكريمة، وأفاض عليه ما استقر في نفسه من نور النبوة، وهدي الرسالة، وخلق السماء.
وهكذا يترعرع المولود في حجر سيد شباب أهل الجنة، وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي ما زال يوسعه لثما وتقبيلا، ويوليه عناية خاصة؛ ليشعر الأمة بأن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ينتظر منه القيام بدوره القيادي بأن يفجر في ربوع أمته ينابيع الحكمة، ويذيع فيها العلم، ويهديها إلى سواء السبيل (1).
ولم تسمح الظروف للصبي بأن يواصل رؤية جده أكثر من أعوامه الأربعة الأولى، التي عاشها في ظله الشريف. فيحمل أبى الضيم الحسين بن علي (عليهما السلام) حفيده معه إلى كربلاء مع من حمل؛ ليعطيه دروسا بليغة حية في الصلابة والثبات في مقارعة الظلم والظالمين، ولو أنه لم يكن يدرك تلك المعاني بعد..
إلا أنه سرعان ما وعى تلك الحقيقة بعد أن ظلت أحداث كربلاء، وما تلاها من مآس وآلام راسخة في ذهنه. حيث روى (عليه السلام) الكثير من فصول الواقعة، مما علق في ذهنه الشريف (عليه السلام) يومذاك، وما كان سمعه من أبيه السجاد (عليه السلام) وهو أكبر هاشمي من الرجال بقي على قيد الحياة ممن أتى مع ركب الحسين (عليه السلام) كما روى المؤرخون عنه بعضا من فصول الواقعة، كالطبري الذي روى بسنده عن الباقر (عليه السلام) بعض صور تلك المأساة المروعة، وألف جماعة آخرون من أعلام أصحابه (عليه السلام) كتبا في مقتل الحسين، حيث دونوا فيها ما سمعوه منه (سلام الله