الرأي الأول والأخير في الفقه والقضاء بلا منازع، وقد ترك منه في المدينة والكوفة ما يكفي لحل جميع ما يعترض المسلمين من المشاكل حيث كانوا، ولكن خصومهم عملوا على طمس آثاره بما يملكون من قدرات هائلة في التعتيم الإعلامي وبذل المال للمرتزقة والمأجورين، حتى خلقوا له الأنداد والأضداد بوسائلهم المعروفة كما وقفوا لأبنائه من بعده وشيعتهم بالمرصاد وكانوا يحاسبون ويعاقبون كل من ينسب إليهم رأيا أو يروي عنهم حديثا، في حين أنهم أباحوا لكل متعلم أو عالم أن يقول ويروي ما يشاء ويفتي بما يريد في العواصم الإسلامية الكبرى وغيرها، فسالم بن عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير والزهري ومحمد بن شهاب، ويحيى بن سعيد وعطاء وغيرهم من الموالي والأحرار كانوا أئمة الإفتاء في مكة والمدينة وإبراهيم النخعي والشعبي كانا بالإضافة إلى غيرهما في الكوفة بالرغم من أن النخعي قد أخذ الفقه ممن أخذه عن علي (عليه السلام) ولكنه كان ينسب رأي علي (عليه السلام) أحيانا لنفسه فعدوه لهذه الغاية ممن يجنحون إلى العمل بالرأي، وكذلك كان فقيه البصرة الحسن البصري، وفقيه اليمن طاووس، وهكذا فرضوا لكل بلد عالما أو أكثر ليرجع إليه الناس في الحلال والحرام، أما فقهاء الشيعة الذين عاصروا هذه الطبقة تقريبا كسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وأمثالهما فمع انهم كانوا من البارزين بين علماء ذلك العصر في الفقه وغيره إلا أنه لم يكن لفقههم صبغة التشيع الصريح، وقد شاع عن سعيد بن المسيب أنه كان يجيب أحيانا برأي غيره من علماء عصره أو برأي من سبقه من الصحابة والتابعين مخافة أن يصيبه ما أصاب سعيد بن جبير ويحيى بن أم الطويل وغيرهما ممن تعرضوا للقتل والتشريد لا لشيء سوى تشيعهم لعلي وبنيه (عليهم السلام).
ومجمل القول لقد شاء الله لجامعة أهل البيت أن تعيش آمنة مطمئنة ولو لفترة يسيرة من الزمن، تلك الفترة ليست شيئا بالنسبة لما تركته من الآثار في