مع هشام بن عبد الملك:
وعرف هشام بن عبد الملك بالحقد على الأسرة النبوية، والبغض لها، وقد عهد للمباحث ورجال الأمن بمراقبة العلويين والتعرف على تحركاتهم والوقوف على نشاطاتهم لا سيما السياسية منها، وقد احاطته استخباراته علما بسمو مكانة زيد، وأهمية مركزه الاجتماعي، وما يتمتع به من القابليات الفذة التي أوجبت احتفاف الجماهير حوله، وتطلعهم إلى حكمه، وأخذ هشام يبغي له الغوائل ويكيد له في غلس الليل وفي وضح النهار، وعهد إلى عامله على يثرب بأشخاصه إليه، ولما شخص إلى دمشق حجبه عنه مبالغة في توهينه والاستهانة به، وقد احتف به أهل الشام لما رأوا ما اتصف به من سمو الخلق، وبليغ النطق وقوة الحجة، والتحرج في الدين وبلغ ذلك هشاما فتميز من الغيظ فاستشار بعض مواليه، وطلب منهم الرأي للحط من شأنه وتوهينه أمام أهل الشام فأشاروا عليه أن يأذن للناس إذنا عاما، ويحجب زيدا ثم يأذن له في آخر الناس فإذا دخل عليه وسلم فلا يرد عليه سلامه ولا يأمره بالجلوس، وحسب أن ذلك موجب للحط من شأنه والتوهين بشخصيته وفعل هشام ذلك، فلما دخل زيد وسلم لم يرد عليه سلامه فثار زيد في وجهه - فيما يقول بعض المؤرخين - وخاطبه بعنف قائلا:
" السلام عليك يا أحول فإنك ترى نفسك أهلا لهذا الاسم.. " (1) ونسفت هذه الكلمات جبروت الطاغية، واطاحت بغلوائه، فصاح بزيد: " بلغني أنك تذكر الخلافة، وتتمناها، ولست أهلا لها، وأنت ابن أمة.. ".
وانبرى زيد يسخر منه، ويدلي بحجته في تفنيد قول هشام قائلا: " ان الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحاق،