ومن عظيم اخلاق الإمام (عليه السلام) تجرده عن كل نزعة مادية أو ذاتية، فكان في سلوكه يمثل الروح الإسلامية، وهدفه هداية الناس وغايته تهذيب أخلاقهم.
وقد اجمع المؤرخون على ان أكثر أوقاته (عليه السلام) كان مشتغلا بها ذكر الله تعالى في عبادته وتهجده، وكان يقضي لياليه ساهرا في صلاته ومناجاته شأنه في ذلك شأن آبائه الطاهرين الذين هم مصابيح الهدى واعلام التقى، أما زهده في الدنيا وابتعاده عن جميع ملاذ الحياة وزخرفها فيتمثل باتجاهه بكل كيانه بقلبه وعواطفه إلى الله سبحانه وتعالى، فلم ينقد لأية نزعة من نزعات الهوى، وانما تحرر منها كاملا، ولم يعد لها أي تأثير وسلطان عليه.
لقد كانت سيرة الإمام (عليه السلام) تحاكي سيرة جده الرسول الأعظم وسيرة آبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)، في جميع مكوناتها وذاتياتها.
ولقد أمتحن الإمام (عليه السلام) وهو في غضارة الصبا ولما يبلغ الخامسة من عمره الشريف امتحانا شاقا وعسيرا، فقد شاهد الرزايا والمحن التي مرت على جده الإمام الحسين وأبيه وأهل البيت (عليهم السلام)، وأصحابهم من صنوف المصائب والرزايا في كربلاء أرض الطفوف، يوم عاشورا من قتل وتنكيل وما جرى بعدها من الأسر مصحوبا بالذل والهوان، وغير ذلك من الكوارث التي من هولها تذوب القلوب وتنهد الجبال، فقد تركت في نفسه تلك الكوارث والحوادث المؤلمة اللوعة والأسى، وجرحا لا يندمل طول حياته (عليه السلام)، فلم يهنأ بعيش ولم تطب له الحياة.
ومن الكوارث التي تركت أثرها العميق في نفسه الشريفة وهو لا يزال في غضارة الصبا، واقعة الحرة في المدينة المنورة، التي انتهك فيها الجيش الأموي بقيادة المجرم مسرف بن عقبة بأمر من طاغيته يزيد الخمور والفجور مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) فهتك الاعراض، وأزهق النفوس والأرواح لا سيما الأطفال والشيوخ منهم، ونهب الأموال، وأباح المدينة ثلاثة أيام بلياليها لجنده، ولم تبق حرمة لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) إلا انتهكها، ولم ينج من أهوال تلكم الكوارث