والسلوك الذي يفرضه عليه ذلك الاستثناء، يقول عز وجل: ﴿لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير﴾ (1)، (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه...) (2)، و (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان...) (3). فالتقية رخصة واجبة للمكلف المكره أو المضطر في مواطن الاستثناء، أو في مواقع التزاحم الشرعي والعقلي، بحيث أن الانسان يتكلم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان. وهذا المقدار من مفهوم التقية، قد آمنت به جميع المذاهب الاسلامية (4).
ولكن الأوضاع الخطيرة التي كانت تمر على أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في تبليغ أحكام الشريعة دفعتهم إلى استثمار مفهوم التقية، الذي جاء به الذكر الحكيم، على الصعيد الفقهي. وقد تنبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهم بذلك، فقال: " إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا. وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا... " (5). وقد كان عصر الإمام الباقر (عليه السلام) مزدحما بالأحداث الجسيمة وأساليب القهر والإرهاب ومحاولات السلطة المستميتة في محو التشيع من جذوره. بحيث أن الإمام الباقر (عليه السلام) لم يعترض على مدح شاعر أهل البيت (عليهم السلام) " الكميت الأسدي " لهشام بن عبد الملك بالخصوص ولبني أمية بالعموم - تقية - كي ينجو مما هو فيه من محن السجن والتعذيب. وفي ضوء ما ذكرنا، فإن الإمام (عليه السلام) عالج موضوع التقية وتأثيراتها السلبية على الافراد