المرجع الأول، والمعلم الفذ، والقائد الملهم لهذه الأمة في مسيرتها الثقافية في عصره، وقد سار بها خطوات واسعة في ميادين البحوث العلمية مما اعتبره الرواد حجر الزاوية وعاملا جوهريا في إنعاش وتقدم وازدهار الحياة العلمية الإسلامية، وتكوين حضارتها المشرقة للأجيال الصاعدة.
وكان من أهم ما عنى به الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام) نشر فقه آل محمد (صلى الله عليه وآله) الذي يحمل روح الإسلام وجوهره، وتفاعله مع الحياة فسهر على احيائه وشيد مدرسته الكبرى التي زخرت بكبار الفقهاء والمجتهدين أمثال أبان بن تغلب وجابر الجعفي، ومحمد بن مسلم، وبريدة، وأبي بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، وزرارة بن أعين، ومعروف بن خربوذ وغيرهم وهم الذين أجمع العلماء على تصديق أقوالهم والإقرار لهم بالفضيلة والفقه وصدق الحديث واليهم يرجع الفضل في تدوين أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهم من الأصول الأربعمائة، ولولاهم لضاعت تلكم الثروة العلمية، والتراث الحضاري، والفكر النير الذي استنار به العالم الإسلامي من بعدهم.
وتعتبر مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام) حجر الزاوية وإحدى المدارس الأساسية لفقهاء شيعة أهل البيت (عليهم السلام) واستنباطهم للاحكام الشرعية.
والذي يدعو إلى الاعتزاز في تبني الإمام (عليه السلام) مثل هؤلاء الفقهاء والإشادة بهم وتعزيز مراكزهم، وارجاع الأمة إلى فتاواهم، قوله (عليه السلام) لأبان بن تغلب:
اجلس في مسجد المدينة، وافت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك " (1).
كما قام الإمام (عليه السلام) بتسديد نفقات طلابه وما يحتاجون إليه في حياتهم المعاشية ليتفرغوا إلى تحصيل العلم، والتفقه فيه، وضبط قواعده وتدوينه، وعهد من بعده إلى ولده الإمام الصادق (عليه السلام) برعايتهم والإنفاق عليهم، حتى لا تشغلهم الحياة المادية المعاشية عن القيام بأداء مهامهم.