واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا " (1).
إنه لكلام بليغ، كلام معبر، وذو مغزى. إن ما نستقبله أمر ذو ألوان شتى، وله وجوه وأشكال متباينة... نستقبل أمواجا تبدأ بعدها العواصف والأعاصير، والعدل الذي أصر عليه يستتبع صيحات تعلو، وصرخات تتصاعد هنا وهناك....
وكان (عليه السلام) يريد أن تتمهد الأرضية، ويضع للناس معايير التعامل ومقاييسه، ويعيد الكلام حول الخطوط الأصلية للحكومة، ويستبين المستقبل ليختار الناس سبيلهم بوعي، ويتخذوا موقفهم عن بصيرة.
في كلامه (عليه السلام)، بعد امتناعه ورفضه في الخطبة المذكورة وفي مواضع أخرى:
1 - تأكيد على أنه غير عاشق للرئاسة وليس من طلابها؛ فإذا تحدث عن نفسه، وتأوه مما حدث بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأكد زعامته وإمامته، فذلك كله لتوضيح الحقائق، وتأكيد المصالح.
وإذا تسلم زمام الأمور، ورضي بالخلافة، فلإقامة الحق، وبناء حكومة على النهج الذي يعرفه هو ويرتضيه؛ كي لا يرى أحد أو جماعة أو قبيلة أن الإمام (عليه السلام) مدين لهم بسبب تعالي صيحاتهم لبيعته، فيفرضوا عليه أهواءهم وطلباتهم.
2 - تأكيد على أن تغييرات قد لحقت بتعاليم الدين، وأن الرسالة الإلهية بعد نبيها أصيبت بداء التبدلات والتقلبات. فإذا أخذ بزمام الأمور فإنه يكافح التحريفات ويقارعها، ويزيح الستار عن الوجه الحقيقي للدين، وينفض عنه غبار