ومقاييس أخرى للحياة...
إن الجيل الجديد - والذين يقفون على رأس المواقع السياسية في هذه الفترة المتأخرة - إنما يعيشون في ظروف يجهلون فيها معايير الدين وموازينه الراسخة، ولا يعون طبيعة عصر الرسالة والسيرة النبوية، ولا يعرفون عليا (عليه السلام) ومنزلته الرفيعة في الدين ودوره وشأنه العظيمين معرفة صحيحة.
فما مر على الدين خلال ربع قرن، وما ابتدع من تفسيرات وتأويلات للنصوص الدينية، وما ظهر من تغييرات في الأحكام، خاصة في عهد الخليفة الثالث، كل ذلك جعل مبادئ الدين ومقاييسه الصحيحة وأحكامه السديدة غريبة على الناس، وهو الذي سوغ للأمة ثورتها على عثمان؛ فقد كان الثوار يقولون في عثمان: " أحدث الأحداث، وخالف حكم الكتاب " (1). وحيث كان يشتكى من مقتله وسر الثورة عليه، يقولون: لأحداثه (2).
هذه كلها رسمت صورة في الأذهان وأجرت على الألسن صعوبة العمل على أساس الكتاب والسنة بعيدا عن المجاملات والمداهنات. وكان الإمام (عليه السلام) يعلم علم اليقين أن إرجاع المياه إلى مجاريها يثير عليه الفتن، وأن تطبيق الحق ينهض أصحاب الباطل المعاندين للحق. من هنا كان (عليه السلام) يرفض البيعة، ويؤكد رفضه؛ كي تتم الحجة على المخالفين في المستقبل. وفي إحدى المناسبات قال (عليه السلام):
" دعوني، والتمسوا غيري؛ فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول. وإن الآفاق قد أغامت، والمحجة قد تنكرت.