نظر تحليلي حول أسباب كراهة الإمام لقبول الحكومة كانت الثورة على عثمان - بسبب ممارساته في الحكم - عامة شاملة، وقد أفضى شمول الثورة وتطلع الناس إلى شخصية بارزة للخلافة إلى أن تكون مقدرات الخلافة خارجة من قبضة التيارات المتباينة؛ أي أن الناس أنفسهم كانوا أصحاب القرار في اختيار القائد السياسي.
وكانت القلوب بأسرها يومئذ تتشوف إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وحده بلا أدنى تردد، فقد كان أكفأ إنسان لخلافة النبي (صلى الله عليه وآله)، وها هو اسمه تردده الألسن وإن زوي مدة دامت خمسا وعشرين سنة.
وكان الإقبال الشعبي العام إليه بنحو لم يتسن لأحد أن يخالفه فيه قط. من هنا شعر مدعو الخلافة - الذين كانوا يزعمون أنهم نظائره (عليه السلام)، وكانوا معه في الشورى السداسية - أن الحنكة السياسية تتطلب المبادرة إلى بيعته والسبق إليها.
وكانت الأمواج البشرية العارمة تنثال عليه من كل جانب لبيعته، بيد أنه (عليه السلام) وقف بحزم وصرامة ورفض البيعة، وطلب من الناس أن يدعوه ويلتمسوا غيره، وقال لهم: " أنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا ".