ممكن، فإن عليا (عليه السلام) ليس رجل سياسة أصلا.
بديهي، لا يعني ذلك أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن يعرف السياسة بهذا المعنى، إنما معناه أن التزامه بالأحكام الإلهية؛ وتمسكه بالقيم الأخلاقية أثنياه أن يكون سياسيا بهذا المعنى، وإلا فإن الإمام كان أعرف الناس بألاعيب السياسة وحيلها اللامشروعة من أجل فرض السلطة، كيف لا، وهو الذي يقول:
" لولا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس ".
كما يقول: " هيهات، لولا التقى لكنت أدهى العرب ".
وقوله (عليه السلام): " والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة ".
إنه (عليه السلام) لعلى دراية بأي مكر سياسي يستطيع أن يحبس الأنفاس في الصدور، كما بمقدوره أن يلجأ إلى سياسة الترغيب والتهديد والتجاوز على حقوق عامة الناس ليقضي على ضروب المعارضة والعصيان الداخلي، بيد أن التزامه يثنيه عن ذلك، وتربأ به قيمه الإسلامية والإنسانية من الجنوح إلى هذا المنحدر، وتعصمه عن التوسل بالوسائل غير المشروعة. ولطالما كرر صلوات الله وسلامه عليه قوله: " إني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم، ولكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي " (1).
يشير الإمام في هذا الكلام إلى تلك السياسات والوسائل الفاعلة على صعيد فرض الحكم التسلطي على المجتمع، بيد أنه لا يستطيع أن يلجأ إليها، لأنها