ثم قال يا أبا محمد ويا أبا عبد الله اصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين، ثم قال يا أبا عبد الله أنت شهيد هذه الأمة، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه، ثم أغمي عليه ساعة وأفاق وقال هذا رسول الله (ص) وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله (ص) وكلهم يقول عجل قدومك علينا، فإنا مشتاقون، ثم أدار عينيه في أهل بيته كلهم وقال أستودعكم الله جميعا، الله خليفتي عليكم وكفي بالله خليفة، ثم قال وعليكم السلام يا رسل ربي، ثم قال لمثل هذا فليعمل العاملون (ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) وعرق جبينه، وهو يذكر الله كثيرا.
وما زال يتشهد الشهادتين ثم استقبل القبلة وغمض عينيه ومد رجليه وأسبل يديه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم قضى نحبه (ع).
قال وكانت وفاته ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، وكانت ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة.
قال فعند ذلك صرخت زينب بنت علي وأم كلثوم وجميع نسائه، وقد شقوا الجيوب ولطموا الخدود وارتفعت الصيحة في القصر، فعلم أهل الكوفة ان أمير المؤمنين (ع) قد قبض، فأقبل النساء والرجال يهرعون أفواجا أفواجا وصاحوا صيحة عظيمة، فارتجت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب والضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله، فلما أظلم الليل تغبر أفق السماء وارتجت الأرض وجميع من عليها بكوا، وكنا نسمع جلبة وتسبيحا في الهواء، فعلمنا انها أصوات الملائكة، فلم يزل كذلك إلى أن طلع الفجر.
قال محمد بن الحنفية ثم أخذنا في جهازه ليلا، وكان الحسن " ع " يغسله والحسين عليه السلام يصب عليه الماء، وكان جسده الشريف لا يحتاج من يقلبه، بل كان ينقلب كما يريد الغاسل يمينا وشمالا، وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر.
ثم نادى الحسن " ع " أخته زينب وأم كلثوم وقال يا أختاه هلمي بحنوط جدي رسول الله (ص) فبادرت زينب مسرعة أتته به.