ودخلت عليه زينب فقالت يا أبتاه حدثتني أم أيمن بما يصدر علينا يوم كربلا، وأحببت ان أسمعه منك يا أبة؟ فبكى أمير المؤمنين (ع) وقال: بنية الحديث ما حدثتك به أم أيمن، وكأني بك وبنيات أهلك سبايا بهذا البلد - يعني الكوفة - أذلاء صاغرين تخافون ان يتخطفكم الناس.
قال محمد بن الحنفية: بتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي وقد نزل السم إلى قدميه وكان يصلي تلك الليلة من جلوس، ولم يزل يوصينا بوصايا يعزينا عن نفسه ويخبرنا بأمره وتبياته إلى حين طلوع الفجر، فلما أصبح استأذن الناس عليه؟ فاذن لهم بالدخول فدخلوا وأقبلوا يسلمون عليه وهو يرد عليهم السلام.
ثم قال: أيها الناس سلوني قبل ان تفقدوني، وخففوا سؤالكم، لمصيبة إمامكم، قال فبكى الناس بكاء شديدا وأشفقوا ان يسألوه تخفيفا، فقام إليه حجر بن عدي الطائي وقال:
يا أسفي على المولى التقي * أبي الأطهار حيدرة الزكي قتيلا قد غدى بحسام نغل * لعين فاسق رجس شقي فلما بصر به عليه السلام وسمع شعره قال له كيف بك يا حجر إذا دعيت إلى البراءة مني فما عساك ان تقول؟! فقال والله يا أمير المؤمنين لو قطعت بالسيف إربا إربا واضرم لي النار وألقيت فيها، لآثرت ذلك على البراءة منك، فقال: وفقت لكل خير يا حجر جزاك الله خيرا عن أهل البيت.
ثم قال: هل من شربة لبن؟ فأتوه بلبن في قعب، فأخذه عليه السلام وشربه، فذكر الملعون ابن ملجم وانه لم يخلف له شيئا، فقال وكان أمر الله قدرا مقدورا، اعلموا اني شربت الجميع ولم أبق لأسيركم شيئا من هذا، ألا وانه آخر رزقي، فبالله عليك يا بني إلا ما سقيته مثل ما شربت، فحمل إليه ذلك فشربه.
قال محمد بن الحنفية: لما كانت إحدى وعشرين وأظلم الليل وهي الليلة الثانية من الكائنة جمع أبي أولاده وأهل بيته وودعهم، ثم قال لهم: الله خليفتي عليكم وهو حسبي ونعم الوكيل، وأوصا الجميع بلزوم الايمان والأديان والأحكام التي أوصى بها