وسار ابن الحر فجعل لا يمر بقرية من قرى الشام إلا أغار عليها هو وأصحابه، فلم يزل كذلك حتى قدم الكوفة، وبها يومئذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فصار ابن الحر إلى منزله فإذا قد زوجت امرأته برجل من العرب (1)، قال: فهم ابن الحر أن يخاصم أولياء المرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له بعض بني عمه: أتخاصم إلى رجل كنت بالأمس عليه مع معاوية؟ فقال ابن الحر: والله ما كنت عليه ساعة قط، ولو كنت عليه ما خفت أن يجور علي في الحكم. قال: ثم اختصم ابن الحر مع أولياء المرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقضى علي رضي الله عنه بالمرأة لابن الحر! فانتزعت المرأة من ذلك الرجل وردت إلى ابن الحر. وأقام ابن الحر بالكوفة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يغدو إليه ويروح (2). فلم يزل كذلك إلى أن قتل علي رضي الله عنه، ومات الحسن بن علي، ومات زياد بن أبيه، وولي عبيد الله بن زياد البصرة والكوفة من قبل يزيد بن معاوية، فأنف عبيد الله بن الحر أن يناله القوم بسوء، فخرج عن الكوفة فنزل بقصر بني مقاتل بن سليمان الحميري، فلم يزل هنالك مقيما إلى أن قتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم، وإلى أن وافى الحسين بن علي فنزل بقصر بني مقاتل ثم بعث إلى ابن الحر يسأله النصرة فأبى عليه، فتركه الحسين رضي الله عنه ومضى إلى كربلاء فقتل هنالك - رضي الله عنه -، وبلغ ذلك ابن الحر فندم على تركه الحسين ندامة شديدة، وقال في ذلك أبياتا قد أخلفناها في مقتل الحسين رضي الله عنه.
قال: ثم أقبل ابن الحر حتى دخل الكوفة بعد مقتل بالحسين بثلاثة أيام، وبها يومئذ عبيد الله بن زياد فهو يفتقد أشراف الناس إذا دخلوا عليه فلا يرى فيهم عبيد الله بن الحر، فلما دخل ونظر إليه ابن زياد وقال: أين كنت يا بن الحر؟ قال:
كنت مريضا أصلح الله الأمير، فقال: مريض القلب أم مريض الجسد؟ فقال ابن الحر: أما قلبي فإنه لم يمرض قط والحمد لله، وأما جسدي فقد كان مريضا وقد من الله علي بالعافية فقال: أبطلت يا بن الحر! ما كنت مع عدونا الحسين بن علي؟
فقال: إني لو كنت مع الحسين لم يخف عليك مكاني أيها الأمير! فقال ابن زياد: