فجعل بعضهم يقول لبعض: والله لقد تأمر علينا هذا الكذاب غير رضا منا، ولقد عمد إلى عبيدنا وموالينا، فقربهم وأدناهم وحملهم على الخيل، وأعطاهم الأموال، وأطعمهم الفيء، وقد علمتم ما كان لنا فيهم من المنافع لأيتامنا وأراملنا.
قال: ثم اجتمعوا في منزل شبث (1) بن ربعي فذكروا له ذلك، وكان شبث من أشراف بني تميم، وكان جاهليا إسلاميا فارسا، لا يدفع عن حسب ولا شرف، بطلا شجاعا، فلما ذكروا له ذلك قال لهم: لا تعجلوا حتى ألقاه فأكمله في ذلك، قال:
ثم أقبل شبث حتى دخل على المختار فسلم وجلس، ثم تكلم فلم يترك شيئا مما أنكره عليه أهل الكوفة إلا ذكره له، حتى ذكر أمر العبيد والموالي، فقال: أيها الأمير! وأعظم الأشياء عليك أنك عمدت إلى عبيدنا وهم فيئنا الذين أفاء الله بهم فأخذتهم إليك، ثم لم ترض بأخذهم حتى جعلتهم شركاءنا في فيئنا، ولا يحل لك أيها الأمير هذا في دينك ولا يجمل بك في شرفك! قال: فقال له المختار: فإني أرضيكم بكل ما تحبون وأغنيكم من كل ما تكرهون على أنكم تقاتلون معي بني أمية وعبد الله بن الزبير، وآخذ عليكم بذلك عهودا ومواثيق وأيمانا مغلظة أنكم لا تغدرون ولا تنكثون. قال: فقام شبث بن ربعي من عند المختار وصار إلى قومه وذكر لهم ذلك، فغضبوا غضبا شديدا وضجوا وقالوا: لا والله ما نقاتل معهم أحدا ولكنا نقاتله وننقض عليه بيعته.
ثم عزم (2) القوم على محاربة المختار، وأقبل إليهم رجل من أشرافهم يقال له عبد الرحمن بن مخنف الأزدي فقال: يا هؤلاء! اتقوا الله ولا تخرجوا على هذا الرجل فقد بايعتموه أنكم لا تغدرون به، وأنا أخاف عليكم أنكم إن قاتلتموه أن تختلفوا وتتخاذلوا فيظفر بكم، لأن الرجل اليوم محتو على بلدكم، ومعه أشرافكم وشجعانكم وفرسانكم، ومعه أيضا عبيدكم وأولادكم (3)، فكفوا عن الرجل ولا تقاتلوه، فهذا مصعب بن الزبير بالبصرة ولو قد فرغ من حرب الأزارقة لسار إليه وكفاكم أمره، وهذا عبيد الله بن زياد بالموصل في ثمانين ألفا ويزيدون، فعسى الله