عليه معاوية وجفاة، فلزم ابن الحر منزله فلم يشهد مشهدا من حروب صفين (1)، ولم يزل كذلك إلى أن كان من أمر الحكمين ما كان، ورجع علي رضي الله عنه إلى الكوفة فنزلها، وأرسل معاوية إلى عبيد الله بن الحر فدعاه ثم قال: يا بن الحر!
دعوناك بالأمس إلى قتال رجل قد سار إلينا يريد بوارنا واستئصالنا فلم تجبنا ولم تقاتل معنا، والآن فقد كفانا الله تبارك وتعالى أمر علي وصار إلى الكوفة، غير أنه بلغني أن جماعة من العرب يصيرون إليك في جوف الليل فيكونون عندك، فإذا أصبحوا تفرقوا، فمن هؤلاء يا بن الحر؟ فقال: هؤلاء أصحابي الذين قدموا معي من بلدي فيشاورونني في أمورهم وأشاورهم في أمري ومقامي بأرض الشام! فقال له معاوية:
أتظن نفسك قد تطلعت إلى الكوفة والكينونة مع علي بن أبي طالب؟ فقال ابن الحر: إنه والله لعلى ما ظننت، وأن بلدي أحب إلي من غيره، وإنه لقبيح بي أن أترك قومي وعشيرتي وأقيم بالشام غريبا في غير داري ووطني، وأما ما ذكرت من علي فو الله ما أشك أنه على الحق وأنه إمام هدى. فقال رجل من جلساء معاوية: كذبت يا بن الحر! بل نحن على الحق ومن أومأت إليه على الباطل، وما قاتلناه إلا ديانة.
فقال ابن الحر: أنت والله أكذب وألأم ولقد قاتلت أخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه ظلما وعدوانا. قال: ثم وثب ابن الحر فخرج من عند معاوية مغضبا حتى صار إلى منزله، والتفت معاوية إلى ذلك الرجل فقال: بئس ما صنعت، نحن أحوج إلى أن ترضي رجلا مثل هذا من أن تسخطه.
قال: وأرسل ابن الحر في جوف الليل إلى أصحابه وبني عمه فأمرهم بالخروج معه في وقتهم ذلك، فخرج نحو الكوفة في أصحابه هؤلاء وبني عمه وهم خمسة وثلاثون نفرا، فجعل يسير حتى إذا أصبح مر ببعض مشايخ معاوية فقاموا إليه وقالوا:
من أنت أيها الرجل؟ فقال أنا عبيد الله بن الحر، قالوا: فأين تريد؟ قال: في حاجة، قالوا: فإننا نخاف أن تكون مخالفا لأمير المؤمنين وتريد الخروج عليه، ولسنا بتاركيك أو يأتينا فيك الخبر [من] عند أمير المؤمنين، فالتفت ابن الحر إلى أصحابه فقال: دونكم القوم! فهذه أول الغنيمة! قال: فشد أصحاب عبيد الله بن الحمر على هؤلاء القوم، فقتلوا منهم من قتلوا، وهربوا الباقين على وجوههم، وأخذت دوابهم وأسلحتهم.