رونق الضحى، وهمدان يومئذ في ثلاثمائة من قبائلهم وثلاثمائة من أصحاب المختار، فلم يشعروا إلا وعبيد الله بن الحر قد وافاهم حاسر الرأس وهو يرتجز ويقول:
إني أنا الحر وابن الحر * ذو حسب مذحج وفخر وقادح لكم غداة الذعر * بالضرب أحيانا وطعن شزر قال: وتنادت همدان من كل ناحية، وحملوا عليه وحمل عليه السبيع، ويقول له عمرو بن نفيل: إلي يا بن الحر! ودع الناس جانبا! قال: فحمل عليه [ابن] الحر، والتقيا بضربتين ضربة ألزمه الحضيض، ثم ولى وولى القوم الأدبار، فكف عنهم ابن الحر وقال لأصحابه: لا تتبعوهم! فحسبهم ما نالهم عارا، وكفاهم ما نالهم به ذلا وشنارا، إنهم أصبحوا في ديارهم فما حموا كريما، ولا منعوا حريما.
قال: ثم خشي عبيد الله بن الحر أن تدهمه خيل المختار بأجمعها أو تجتمع عليه أهل الكوفة فلا يكون له بهم طاقة، فصاح بأصحابه ومضى حتى خرج من الكوفة، فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:
لقيت شباما عند مسجد مخنف * وقبل شبام شاكرا وسبيعا إلى آخرها.
قال: ثم جعل عبيد الله بن الحر يغير على سواد الكوفة، ويقتل نواب المختار، ويمثل بهم، ويكبس المدن والقرى، ويأخذ الأموال حتى إذا علم أنه قد استقل بالأموال واكتفى من الرجال والآلة والسلاح سار إلى البصرة. وبها يومئذ مصعب بن الزبير في وجوه الأزارقة، فاستأمن إليه عبيد الله بن الحر. قال: فقربه مصعب وأدناه وأجلسه معه على سريره وأكرمه كرامة لم يكن مثلها أحدا قبله ممن قصده، وجعل ابن الحر يحدث مصعبا بما كان من أمره وأمر المختار وإبراهيم بن الأشتر قال: وبلغ ذلك المختار، فكأنه سر بمسير عبيد الله بن الحر إلى مصعب بن الزبير، فهذا أول خبر عبيد الله بن الحر وخروجه على المختار، وسنرجع إلى خبره قتل المختار وخروجه على مصعب بن الزبير - إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم -.