حتى تكتفي إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال فقال له ابن الأشتر: أيها الأمير! إني خارج كما ذكرت وأمرت، لكني لا أحب أن يخرج معي عبيد الله بن الحر في هذا الجيش، فإنه رجل معجب بنفسه، وخاف أن يغدر بي في وقت حاجتي إليه! فقال المختار: صدقت أبا النعمان هو كذلك ولكن داره وأحسن إليه واملأ عينه من المال، فإنه ابن عمك، ولعلي إن أمرته بالتخلف عنك أن يجد في نفسه من ذلك عليك، ولكن عليك بمداراته مهما استطعت، واعلم أني منتظر لأمرك وما يكون منك في قتال الفاسقين، وأنا أرجو أن تلحق الآخرين بالأولين.
قال: فخرج إبراهيم بن الأشتر من الكوفة يوم السبت لثمان خلون (1) من ذي الحجة سنة ست وستين، ومعه يومئذ عشرة آلاف فارس وسبعة آلاف راجل، وقد رفع رأسه إلى السماء وهو يقول: اللهم عمرنا في طاعتك، ولا تجعلنا من أهل معصيتك، اللهم اذكرنا ولا تنسانا، وانصرنا ولا تخذلنا، وارفعنا ولا تضعنا، وأعزنا ولا تذلنا، إنك واسع الرحمة قريب من المحسنين. قال: وخرج المختار في نفر من أصحابه لتشييعه فجعل يقول: اللهم انصر من صبر، واخذل من كفر، ومن عصا ومن فجر، وبايع وغدر، وعلا وتجبر، فصار إلى سقر، لا تبقي ولا تذر، ليذوق العذاب الأكبر. قال: ثم أقبل على ابن الأشتر فقال: أبا النعمان! احفظ عني ثلاث خصال أوصيك بها: خف (2) الله في السر والعلانية، وعجل المسير إلى عدوك، فإذا (3) عاينتهم فناجزهم وحاكمهم إلى الله فإنه أحكم الحاكمين! أفهمت ما أوصيتك؟ فقال: نعم أيها الأمير قد فهمت. قال: فسر الآن راشدا، صحبك الله وسلمك، وردك سالما.
قال: ثم رجع المختار إلى الكوفة، ومضى ابن الأشتر في جيشه وهو يقول (4):
أما وحق المرسلات عرفا * وعصفه للعاصفات عصفا لنعسفن من بغانا عسفا * حتى نسوم القوم منا خسفا