قام: وأصبح (1) الناس وقد فقد من أهل العراق ثلاثمائة وسبعون رجلا، وأهل الشام قد كانوا في اثنين وثمانين ألفا فانفلت عشرة آلاف وثمانية رجال عامتهم جرحي، وقد ذكر ذلك بعض الشعراء في شعر له، قال: ثم اقبل ابن الأشتر على أصحابه فقال: ويحكم إني أتبعت البارحة رجلا وقد اختلط الظلام، فشممت منه رائحة المسك، ورأيت في يده هذه الصفيحة، ورأيت تحته فرسا جوادا فلم أزل حتى ضربته ضربة شرقت يداه وغربت رجلاه، فمددت يدي فأخذت هذه الصفيحة وفاتني الفرس! فقال له بعض أصحابه: أصلح الله الأمير! الفرس عندي وأنا آتيك به، وقد جعله الله لك. قال ابن الأشتر: فصيروا إذا إلى شاطئ الفرات موضع كذا وكذا فإنكم ترون الرجل قتيلا، فانظروا من هو؟ فإن نفسي تحدثني أنه عبيد الله بن زياد!
فمضوا فوجدوه، فأتوا برأسه حتى وضعوه بين يديه، فلما رآه كبر وخر ساجدا، ثم رفع رأسه وقال: الحمد لله الذي أجرى قتله على يدي. فأنشأ بعض أصحابه في ذلك يقول أبياتا مطلعه (2):
أتاكم غلام من عرانيين مذحج * جري على الأعداء غير نكول إلى آخرها. قال: ثم أمر إبراهيم بن الأشتر برأس عبيد الله بن زياد، ورأس الحصين بن نمير السكوني وشرحبيل بن ذي الكلاع الحميري، وربيعة بن مخارق الغنوي ومن أشبههم من رؤساء أهل الشام، فجمعت ثم قورت ونفضت، وكتبت الرقاع وعلقت في آذانهم بأسمائهم، ثم جمعت أيضا رؤوس القوم عن آخرها وبعث بها إلى المختار، وكتب إليه ابن الأشتر يعلمه بالوقعة، وكيف أهلك الله القوم، وأباد خضراءهم، وبدد شملهم.
قال: فوردت الرؤوس يومئذ على أهل الكوفة زيادة على سبعين ألف رأس، وفي أوائلها رأس عبيد الله بن زياد. قال: فقوم من شيعة بني أمية اشتد عليهم ذلك، وأما شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فجعلوا يكبرون ويقولون: الحمد لله الذي قتل المحلين، وشفا غليل المؤمنين.
قال: وبعث المختار برأس عبيد الله بن زياد والحصين وشرحبيل ومن أشبههم