وحتى متى نكون أذلاء مشردين مطرودين عن أهلنا وأولادنا، كروا عليه كرة صادقة فإنهم مغلوبون إن شاء الله. قال: فاضطرب القوم وتصادموا، وحنق بعضهم على بعض، ووقعت الهزيمة على أصحاب المختار (1)، وقتل صاحبهم الأحمر بن شميط وانكشفوا فولوا الأدبار، وأخذهم السيف، فأما الرجالة فما التفت منهم أحد، وأما الخيل فما انفلت منهم إلا الجواد، فدخل أقلهم إلى الكوفة بأشر حالة تكون حتى صاروا إلى المختار، فأخبروه بذلك، فأنشأ الأعشى يقول شعرا (2).
قال: ونزل بالمختار أمر عظيم من قتل أصحابه، وأيقن بالهلكة، ولم يجد بدا من التشجع، وكتب إلى إبراهيم بن الأشتر كتابا بعد كتاب يسأله المسير إليه فلم يفعل، وأقبل مصعب بن الزبير حتى نزل في موضع واسط، ثم أمر أصحابه الرجالة فقعدوا في السفن وساروا إلى نهر يخرجهم إلى الفرات. قال: وبلغ ذلك المختار فأمر كل نهر علم أن يحمل من الفرات فسكر (3) بعضها بعضا، فبقيت سفن أصحاب مصعب في الطين، فلما نظروا إلى ذلك خرجوا من السفن وأقبلوا يسيرون نحو الكوفة ومصعب قد سار في خيلة على الظهر حتى وافى أصحابه.
قال: ودعى المختار برجل من أصحابه فاستخلفه على الكوفة، وقد أعد في القصر جميع ما احتاج إليه من آلة الحصار، ثم أقبل حتى نزل بحروراء (4) ودنا القوم بعضهم من بعض. فقال المختار: يا له من يوم لو حضرني فيه ابن الأشتر! ولكنه قعد عني وخذلني، ووالله ما من الموت بد! قال: واختلط الفريقان (5)، فأرسل مصعب بن الزبير إلى المهلب بن أبي صفرة يقول: أبا سعيد! رحمك الله ما تنتظر أن تحمل على من بإزائك؟ أما ترى إلى تعبية جيش هذا الكذاب! فالتفت المهلب إلى بعض أصحابه فقال: إن الأمير (6) أعزه الله يظن أننا نلعب، ولا يعلم أني قاتلت