هل للفتى من نياب الدهر من واقي * أم هل لحتم إذا ما حم من راقي إلى آخرها. قال: فسمع المختار هذه الأبيات من السائب بن مالك الأشعري فقال: لله در عبد الله بن حداق (1) ما أجود معناه في هذا القول، أما والله لو لا ما نحن فيه لأحببت أن أحفظ هذه الأبيات، وو الله يا سائب! إن لو كان معي عشرة لعلمت أننا نقهر مصعبا (2) وأصحابه.
قال: ثم أقبل المختار على أصحابه فقال: ويحكم اخرجوا بنا حتى نقاتل هؤلاء القوم فنقتل كراما، فو الله ما أنا بآئس إن أنتم صدقتموهم القتال أن تنصروا عليهم. قال: فأجابه أصحابه إلى ذلك، وقالوا: ما الرأي إلا ما رأيت! وليس يجب أن نعطي بأيدينا ولا نحكم هؤلاء على دمائنا، فاعزم على ما أنت عازم عليه من أمرك فها نحن بين يديك. قال: فعندها بعث المختار إلى امرأته أم ثابت الفزارية بنت سمرة بن جندب، فأرسلت إليه بطيب كثير وحنوط، فقام واغتسل وأفرغ عليه ثيابه وتحنط ووضع ذلك الطيب في (3) رأسه ولحيته، ووثب أصحابه يفعلون كذلك، فقال له رجل منهم (4): أبا إسحاق! أما بد من الموت؟ قال: قد رأيت والله عبد الله بن الزبير على الحجاز، وبني أمية على الشام، ومصعبا على العراق، ولم أكن بدون واحد منهم. وإنما خرجت أطلب بدماء أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وقد والله أشفيت نفسي من أعدائهم وممن شارك في دمائهم، ولست أبالي بعد هذا كيف أتاني الموت قال: ثم استوى على فرسه وجعل يرتجز ويقول شعرا (5). ثم أمر بباب القصر ففتح، وخرج معه نفر (6) من أصحابه فلم يزل يقاتل ويقاتلون معه حتى قتلوا بأجمعهم وبقي المختار وحده، فجعل يقاتل والسهام تأخذه، فصاح مصعب بن الزبير بأصحابه أن احدقوا به فقد قتلت أنصاره.
قال: فأحاطت به الخيل من كل جانب، فجعل يكر عليهم ويكرون عليه حتى بلغوا به إلى الموضع الذي فيه حوانيت الزياتين اليوم، فأحاطوا به هنالك وألجأوه إلى