جدار هناك وقصده رجلان (1) من بني حنيفة أخوان (2) يقال لأحدهما طرفة (3) والآخر طراف (4) ابنا عبد الله بن دجاجة الحنفي وضرباه جميعا بأسيافهما. فسقط المختار إلى الأرض، فنزلا إليه فذبحاه واحتزا رأسه وأقبلا به إلى مصعب بن الزبير، قال:
فأمر مصعب بقطع يده اليمنى، فقطعت وسمرت على باب القصر، ثم أمر برأسه فنصب في رحبة الحدادين.
ثم أقبل مصعب وأصحابه حتى أحدقوا بالقصر فجعلوا ينادون لمن في القصر ويقولون: اخرجوا ولكم الأمان! فقد قتل الله صاحبكم. قال: ففتح القوم باب القصر وخرجوا، فأخذوا بأجمعهم حتى أتي بهم مصعب بن الزبير، فقدموا حتى وقفوا بين يديه، وجعل رجل منهم (5) يقول:
ما كنت أخشى أن أرى أسيرا * ولا أرى مدمرا تدميرا إن الذين خالفوا الأميرا * قد رغموا (6) وتبروا تتبيرا قال: فرفع مصعب رأسه إليه فقال: الحمد لله الذي أمكن منكم يا شيعة الدجال! قال: فتكلم رجل منهم يقال له بحير بن عبد الله السلمي (7)، فقال: لا والله ما نحن بشيعة الدجال، ولكنا شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما خرجنا بأسيافنا إلا طلبا بدمائهم، وقد ابتلانا الله بالأسر وابتلاك بالعفو أيها الأمير، والصفح والعفاف وهما منزلتان: منزلة رضا ومنزلة سخط، فمن عفا عفي عنه، ومن عاقب لم يأمن من القصاص! وبعد فإننا إخوانكم في دينكم وشركاؤكم في حظكم، ونحن أهل قبلتكم، لسنا بالترك ولا بالديلم، وقد كان منا ما كان من أهل العراق وأهل الشام، فاصفح إن قدرت.
قال: فكان مصعب بن الزبير قد رق لهذا المتكلم وأصحابه وهم بإطلاقهم