والقبائل كل قبيلة في المسجد معتزلة على حدة، وعبيد الله بن زياد في القصر، وقد أخذ بأبوابه وقد تمنع أن يدخل القصر أحد، وقد أخذت العرب بأفواه السكك والدروب، وكان عبيد الله أول من جفا العرب، وأخذ منهم المحاربة اثنى عشر ألفا ليعتز بهم، فوالله ما زادوه إلا ذلا، فلما رأى ذلك عبيد الله بن زياد لم يدر كيف يصنع، وخاف تميما وبكر بن وائل أن يستجير بهم ولم يأمن غدرهم، فأرسل إلى الحارث بن قيس الجهمي من الأزد، فدخل عليه الحارث.
فقال: يا حارث، قد أكرمتهم زيادا، وحفظتم منه ما كنتم أهله، وقد استجرت بكم، فأنشدكم الله في. قال الحارث: أخاف أن لا تقدر على الخروج إلينا، لما أرى من سوء رأي العامة فيك مع سوء آثارك في الأزد. قال: فتهيأ عبيد الله، فلبس لبس امرأة في خمرتها وعقيصتها، فأردفه الحارث خلفه، فخرج به على الناس فقالوا: يا حارث ما هذه؟ قال: تنحوا رحمكم الله، هذه امرأة من أهلي، كانت زائرة لأهل ابن زياد، أتيت أذهب بها. فقال عبيد الله للحارث:
أين نحن؟ قال: في بني سليم، فقال: سلمنا الله. قال: ثم سار قليلا، ثم قال: أين نحن؟
قال: في بني ناجية من الأزد، قال: نجونا إن شاء الله. قال: فأتى به مسعود بن عمرو وهو يومئذ سيد الأزد، فقال: يا أبا قيس؟ قد جئتك بعبيد الله مستجيرا. قال: ولم جئتني بالعبد؟
قال: نشدتك الله، فقد اختارك على غيرك، فلما رآهم عبيد الله يتراضون ويتناشدون، قال:
قد بلغني الجهد والجوع، فقال مسعود: يا غلام: ائت البقال، فأتنا من خبزه وتمره. قال:
فجاء به الغلام فوضع. قال: فأكل، وإنما أراد ابن زياد أن يتحرم بطعامه. ثم قال: أدخل فدخل، ومنارات الناس يومئذ من القصب، وكان منزل مسعود يومئذ قاصيا. قال: فكأن عبيد الله خاف. فقال: يا غلام، اصعد إلى السطح بحزمة من قصب، فأشعل أعلاه نارا، ففعل ذلك في جوف الليل، فأقبلت الأزد على الخيل وعلى أرجلها حتى شحنوا السكك وملئوها.
فقالوا: ما لسيدنا؟ قال: شئ حدث في الدار. قال: فعرف عبيد الله عزته ورفعته، وما هو عليه. قال: هذا والله العز والشرف، فأقام عنده أياما، وعنده امرأتان امرأة من الأزد، وامرأة من عبد قيس، فكانت العبدية تقول: أخرجوا العبد وكانت الأزدية تقول: استجار بك على بغضه إياك، وجفوته لك، وتحدث الناس أنه لجأ إلى مسعود بن عمرو، فاجتمعت القبائل في المسجد والخوارج، وهم في أربعة آلاف، فقال مسعود: ما أظنني إلا خارجا إلى البصرة معتذرا إليهم من أمر عبيد الله. ثم قال: وكيف آمن عليه وهو منزلي، ولكني أبلغه مأمنه، ثم أعتذر إليهم. قال: وكان مسعود قد أجار عنده ابن زياد أربعين ليلة. قال:
فأقبل مسعود يوما على برذون له، وحوله عدة من الأزد عليهم السيوف، وقد عصب رأسه بسير أحمر، قال الهيثم: فقلت لابن عباس: لم عصب رأسه بسير أحمر؟ قال: قد سألت عن