فسكت، وانتهى مسلم إلى باب القصر وهو عطشان، وعلى باب القصر أناس ينتظرون الأذن منهم: عمارة بن عقبة بن أبي معيط، وعمرو بن حريث، ومسلم بن عمرو الباهلي، وكثير بن شهاب، فاستسقى مسلم (رضي الله عنه) الماء وقد رأى قلة (1) موضوعة على الباب، فقال مسلم الباهلي: أتراها ما أبردها، لا والله لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم.
فقال له: ويحك من أنت؟
قال: أنا من عرف الحق إذ أنكرته، ونصح لإمامه إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.
فقال: لأمك الثكل، ما أجفاك وما أفظك وأقسى قلبك وأغلظك، أنت يا بن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني.
ثم تساند وجلس إلى الحائط، فبعث عمرو بن حريث مولاه سليمان فجاءه بقلة، وبعث عمارة غلامه قيسا فجاءه بقلة عليها منديل، فصب له ماءا بقدح، فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه، حتى إذا كانت الثالثة سقطت ثنيتاه في القدح فقال: الحمد لله لو كان من الرزق المقسوم لي لشربته.
ولما أدخلوه على عبيد الله لم يسلم عليه بالإمرة، فقال له الحرسي: ألا تسلم على الأمير؟
فقال: إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه؟
فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلن.
قال: فدعني أوص بعض قومي.
قال: افعل.
فنظر مسلم (رضي الله عنه) إلى جلساء عبيد الله وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فقال:
يا عمر إن بيني وبينك قرابة ولي إليك حاجة وهي سر.
فامتنع عمر أن يسمع منه، فقال له عبيد الله: لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك؟
فقام معه فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد، فقال له: إن علي بالكوفة سبعمائة