نفسية أهل الكوفة لم يسجل التاريخ لرجالات الكوفة - بالرغم من شهرة هذه المدينة العظيمة وموقعها التاريخي الكبير في بدء تمصيرها، وكونها مرتكز الخلافة الكبرى ردحا من الزمن، ونبوغ رجالات الأمة فيها - مآثر جديرة بالتقدير، وكأن من انتحى نحوها يوم مصرت إنما تبوأها ليبث روح الشقاق، أو يزرع بأرجائها بذور النفاق، ويخبئ بين فجاجها جراثيم الفساد، لذلك لما أينعت وبسقت أغصانها لم يشهد فيها غير الإنثيال عن الحق وأهله، والميل إلى الجور، والإصاخة (1) إلى داعية ضلال.
هذه نفسية القوم عرفوا بها منذ العهد العلوي، فيوم كان يستنصرهم علي (عليه السلام) في وقعة الجمل ويخذلهم عنه أبو موسى الأشعري، وما كان نفيرهم إليه إلا بعد هن وهن (2)، وقدوم الأشتر واستنفارهم بقوة بأسه، ولا تنس يوم رفع المصاحف بصفين، يوم جاؤوا بالفاجعة الكبرى شوهاء شنعاء، التقت بها حلقتا البطان، ثم ندموا على ما فرطوا في جنب ولي الله، فأثاروا فتنة النهروان غير متأثمين، وألقوا المسؤولية فيها على عاتق علي (عليه السلام) بحجة داحضة، وبعد أن مسحهم السيف الإلهي وتطامنت النفوس على حرب معاوية، لم يبرح الإمام (عليه السلام) يستشيرهم الآونة بعد الآونة، وهو لا يجد إلا متترسا بالأعذار أو متسترا بالفشل أو مضمرا غدرا، أو متحيزا إلى فئة، فجرعوه الغصص حتى مجهم وتمنى أن معاوية عوضه واحدا من الشام بعشرة منهم صرف الدينار بالدرهم (3)، وقال فيهم: «قاتلكم الله لقد ملأتم