المجتمع يتفرقون عنه سرا وجهارا، ليلا ونهارا، وسلموا ولي نعمتهم حين الوثبة وخذلوه عند النكبة، بعدما كانوا يضيقون فسح خوانه حتى على إخوانه، لا ضير فإن خف رحل الحسين (عليه السلام) من القش وذوي الغش، فقد ملأ فراغهم أبطال صدق ممن عشقوا الحسين (عليه السلام)، لا خوفا من رجاله ولا طمعا في ماله، بل وجدوا من اختار نفسه ونفيسه فداء للإسلام ففدوه بكل ما عز وهان (1).
وأما هاني بن عروة، فقد كان محبوسا عند ابن زياد فأخرج من الحبس - بعد قتل مسلم - وجئ به إلى السوق الذي يباع فيه الغنم مكتوفا، فجعل ينادي: وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم، وا مذحجاه وأين مني مذحج.
فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال: أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يجاهد به رجل عن نفسه.
فتواثبوا عليه وشدوه وثاقا ثم قيل له: أمدد عنقك.
فقال: ما أنا بها سخي، وما أنا بمعينكم على نفسي.
فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركي يقال له: رشيد، بالسيف فلم يصنع سيفه شيئا.
فقال هاني: إلى الله المعاد، اللهم إلى رحمتك ورضوانك.
ثم ضربه ضربة أخرى فقتله، وكان ذلك يوم التاسع من ذي الحجة بعد قتل مسلم بيوم واحد، وكان له من العمر سبع وتسعون سنة، وأمر ابن زياد فسحب جثتاهما من أرجلهما بالأسواق والناس ينظرون إليهما، يا له منظرا فظيعا وعبرة للمعتبر.
ثم إن ابن زياد بعث برأسي مسلم وهاني إلى يزيد الخنا، مع هاني بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي، واستوهب جثتيهما ودفنوهما عند القصر حيث موضعهما اليوم، وقبراهما كل على حدة، قال عبد الله بن الزبير الأسدي يؤبنهما من أبيات:
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هاني في السوق وابن عقيل