فهنا هاني مسلما بالرحب والسعة والحفاظ حتى يفرج الله عنه، والتزم هاني بالتمارض مجاملة مع ابن زياد في عدم إجابته لدعوته، لكن ابن زياد يطمع في هاني وسابقته معه، ويرى في جذب أمثاله من المتنفذين الحقيقيين معونة كبرى لانفاذ مقاصده.
ويروى: أن هانيا أو شريكا اقترح على عميد آل عقيل ومندوب الحسين مسلم، الفتك بابن زياد غيلة وغفلة، لكن مسلما لم يجب بسوى كلمة: إنا أهل بيت نكره الغدر.
كلمة كبيرة المغزى، بعيدة المرمى، فإن آل علي (عليه السلام) من قوة تمسكهم بالحق والصدق، نبذوا الغدر والمكر حتى لدى الضرورة، واختاروا النصر الآجل بقوة الحق على النصر العاجل بالخديعة، شنشنة فيهم معروفة عن أسلافهم وموروثة في أخلافهم، كأنهم مخلوقون لإقامة حكومة الحق والفضيلة في قلوب العرفاء الأصفياء، وقد حفظ التاريخ لهم الكراسي في القلوب.
وبالجملة فقد دبر ابن مرجانة حيلة الفتك بهاني، فأحضره لديه بحجة مداولة الرأي معه في الشؤون الداخلية، غير أن هانيا بعدما حضر لديه غدر به ابن زياد وشتم عرضه وهشم أنفه وقطع رأسه.
وكان لهذه الحادثة دوي في الرؤوس وفي النفوس، واستولت بذلك دهشة على الجمهور، أدت إلى تفرق الناس من حول مسلم (رضي الله عنه)، فأمسى وحيدا حائرا بنفسه ومبيته، وأشرف في طريقه على امرأة صالحة في كندة تسمى: طوعة - وهي أم ولد حازت شرف التاريخ، إذ عرفت قيمة الفضيلة، بينما قومها ضيعوا هذا الشرف الخالد وغرتهم المطامع - جالسة على باب دارها، فاستسقاها مسلم ماء، فجاءته به وشرب، ثم وقف يطيل النظر إلى مبدأ الشارع تارة وإلى منفذه أخرى، كأنه يتوقع من يتطلبه، فتوسمت المرأة فيه غربته وسألته.
فقال: نعم أنا مسلم بن عقيل، خذلني هؤلاء.
فاستعظمت طوعة ذلك ودعته إلى بيتها لتخفيه حتى الصباح، وفرشت له في بيت وعرضت عليه العشاء فلم يتعش، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها (1) وقد كان