الكوفة في عهد ابن بطوطة الرحالة ويصفها لنا الرحالة الكبير ابن بطوطة في رحلته، وقد دخلها أواخر سنة 725 فيقول:
هي إحدى أمهات البلاد العراقية المتميزة فيها بفضل المزية، مثوى الصحابة والتابعين، ومنزل العلماء والصالحين، وحضرة علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلا أن الخراب قد استولى عليها بسبب أيدي العدوان التي امتدت إليها، وفسادها من عرب خفاجة المجاورين لها، فإنهم يقطعون طريقها ولا سور عليها، وبناؤها بالآجر وأسواقها حسان، وأكثر ما يباع فيها التمر والسمك، وجامعها الأعظم جامع كبير شريف، بلاطاته سبعة قائمة على سواري حجارة ضخمة منحوتة قد صنعت قطعا ووضع بعضها على بعض وأفرغت بالرصاص وهي مفرطة الطول، وبهذا المسجد آثار كريمة فمنها: بيت إزاء المحراب عن يمين مستقبل القبلة يقال: إن الخليل صلوات الله عليه كان له مصلى بذلك الموضع، وعلى مقربة منه محراب محلق عليه بأعواد الساج مرتفع وهو محراب علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهنالك ضربه الشقي ابن ملجم والناس يقصدون الصلاة به، وفي الزاوية من آخر هذا البلاط مسجد صغير محلق عليه أيضا بأعواد الساج، يذكر أنه الموضع الذي فار منه التنور حين طوفان نوح (عليه السلام)، وفي ظهره خارج المسجد بيت يزعمون أنه بيت نوح (عليه السلام)، وإزاءه بيت يزعمون أنه متعبد إدريس (عليه السلام)، ويتصل بذلك فضاء متصل بالجدار القبلي من المسجد يقال: إنه موضع إنشاء سفينة نوح (عليه السلام)، وفي آخر هذا الفضاء دار علي بن أبي طالب (عليه السلام) والبيت الذي غسل فيه، ويتصل به بيت يقال أيضا: إنه بيت نوح (عليه السلام)، وفي الجهة الشرقية من الجامع بيت مرتفع يصعد إليه فيه قبر مسلم بن عقيل بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وبمقربة منه خارج المسجد قبر عاتكة وسكينة بنتي الحسين (عليه السلام)، وأما قصر الإمارة بالكوفة الذي بناه سعد بن أبي وقاص فلم يبق منه إلا أساسه، والفرات من الكوفة على مسافة نصف فرسخ في الجانب الشرقي منها، وهو منتظم بحدائق النخل الملتفة المتصل بعضها ببعض، ورأيت بغربي جبانة الكوفة موضعا مسودا شديد السواد في بسيط أبيض فأخبرت أنه قبر