شعراء الكوفة كانت الكوفة - لا سيما في العصر الأموي - بؤرة العلم والأدب، وملتقى العلماء والأدباء والشعراء، يزدحمون في المسجد أو غيره من الجوامع العامة والنوادي والمحافل، للمفاخرة أو المناظرة أو المناضلة أو المناشدة، وكان أشراف الكوفة يخرجون إلى ضواحيها أيضا لمثل هذا الغرض، لما كان في ضواحيها من جالية العرب أهل البادية من القبائل التي نزحت إلى هناك بعد الإسلام، فكانت الكوفة وضواحيها كسوق عكاظ في الجاهلية والمربد في البصرة الذي كان سوقا من أسواقها يعرف بسوق الإبل، ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس وأقاموا بها مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء، يؤمها الأدباء من كل فج للمناشدة والمحاكمة، ومثلهما الكوفة، فقد كانت تتألف فيها لفحول شعرائها حلقات المناشدة والمفاخرة ومجالس العلم والأدب.
وكان الشعر في الكوفة أكثر منه في البصرة، ووقف المختار بن أبي عبيد الثقفي في أثناء حروبه بالعراق على أشعار مدفونة في القصر الأبيض بالكوفة، مما يدل على عناية الكوفيين بالشعر، لكن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله (1).
ولم ينبغ شاعر أو خطيب في بلاد العرب كلها، إلا جاء البصرة والكوفة، فازدحمت الأقدام فيهما ونبغ الرواة والأدباء وغيرهم فيهما.
وبما أن لقول الشاعر من التأثير في نفوس عشيرته لأنه لسان حالها، ازداد الشعراء بذلك نفوذا وتقربا من الخلفاء والأمراء، وكان الخليفة يعد مدح الشاعر له دليلا على رضا قبيلته عن أغراضه، لأنه لسان حالها، والقبيلة تعد إكرام الخليفة لشاعرها إكراما لها، وكان للشعراء رواتب في بيت المال مثل سائر المسلمين، فلم يكن الشعراء يرون بدا من استرضاء الخلفاء والأمراء خوفا من قطع أعطيتهم فضلا عما يرجونه من الجوائز إذا أحسنوا إرضاءهم.
وكان لبعض الملوك والأمراء شغف بالأدب منهم: معاوية وعبد الملك وهشام،