اللغويون من الكوفيين لما أخذ المسلمون في تفسير القرآن، احتاجوا إلى ضبط معاني ألفاظه وتفهم أساليب عباراته، فجرهم ذلك إلى البحث في أساليب العرب وأقوالهم وأشعارهم وأمثالهم، ولا يكون ذلك سالما من العجمة والفساد، إلا إذا أخذ عن عرب البادية الذين كانت قريش في الجاهلية تتخير من ألفاظهم وأساليبهم، فعني جماعة كبيرة من المسلمين في الرحلة إلى بادية العرب والتقاط الأشعار والأمثال والسؤال من أفواه العرب عن معاني الألفاظ وأساليب التعبير، وسموا الاشتغال بذلك مع ما يتبعه من صرف ونحو وبلاغة بعلم الأدب.
والذين نقلوا اللغة وأساليبها عن القبائل وأثبتوها في الكتب وصيروها علما، هم أهل البصرة والكوفة فقط (1)، وكان أكثر المشتغلين في جمع اللغة وآدابها العجم، لحاجتهم إلى ذلك أكثر من العرب.
ومن أقدم المشتغلين في جمع اللغة والأدب وأوسعهم حفظا ورواية، أبو عمر ابن العلاء التميمي المتوفى بالكوفة سنة 154 وهو من مواليد مكة، وكانت كتبه عن العرب الفصحاء تملأ بيته إلى قريب السقف (2) وقال مع ذلك: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير (3).
ونبغ في العراق جماعة كبيرة من طلاب الأدب واللغة في القرن الثاني للهجرة، أشهرهم أربعة في عصر واحد، وهم: أبو زيد وأبو عبيدة والأصمعي والخليل، وكان العلم كله عندهم، والثلاثة الأول أخذوا اللغة والنحو والشعر والقراءة عن أبي عمرو