وأما من ناواهم فقد طحنهم الفناء بكلكله (1) وأبادهم سوء الأحدوثة، فها هم لا ذكر جميل يعنى، ولا رمة بالية تأم وتقصد، فلم تبق إلا ثياب خزاية ألبستهم إياها الخلاعة والهرطقة (2)، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
وإليك ما يلي أهم الفتن والحوادث التي انتابتها مرتبة على العصور، أخذناها من أوثق المصادر التأريخية:
1 - حادثة ابن الحيسمان الخزاعي (3):
إن الكوفة أول مصر نزغ الشيطان بين أهله في الإسلام - كما عرفت - وكان بدء ذلك: أن سعد بن أبي وقاص كان أمير الكوفة في خلافة عثمان بوصية من عمر، وكان عبد الله بن مسعود أمين بيت المال، فاستقرض سعد من عبد الله بن مسعود من بيت المال مالا، فلما جاء الأجل أتى ابن مسعود إلى سعد وقال له: أد المال الذي قبلك.
فقال له سعد: ما أراك إلا ستلقى شرا، أهل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل؟
فقال: أجل والله إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة.
فقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص: أجل، والله إنكما لصاحبا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينظر إليكما.
فطرح سعد عودا كان في يده - وكان رجلا فيه حدة - ورفع يده وقال: اللهم رب السماوات والأرض.
فقال عبد الله: ويلك قل خيرا، ولا تلعن.
فقال سعد: أما والله لولا اتقاء الله لدعوت عليك دعوة لا تخطئك.
فولى عبد الله سريعا حتى خرج، ولم يتيسر لسعد الاسراع بأداء المال، فاستعان عبد الله بأناس على استخراج المال من سعد، واستعان سعد بأناس على استنظاره، وافترقوا وبعضهم يلوم سعدا وبعضهم يلوم عبد الله، ووصل الخبر بذلك إلى عثمان فغضب عليهما وهم بهما ثم ترك ذلك، وعزل سعدا وأخذ ما عليه وأقر